تأملات روحية فى القداس الآلهى – الجزء الثانى
قداس الموعوظين
القراءات والدورات:
+ بعد تحليل الخدام يبدأ أبونا بدورة البولس وفيها يطوف الكنيسة بالبخور (وقد سبق وتحدثنا عن البخور) فإن البخور ليس فقط يختص بالعهد القديم بل ويمتد إلى الدهر الآتي مع "الـ 24 شيخاً " (رؤ5: 8) ... وإن كانت صلوات الأشرار مكرهة للرب فصلوات القديسين رائحة بخور زكية يشتمها الله لذلك فإن أبونا يجمع صلوات الكنيسة المنظورة ويرفعها إلى الله أمام مذبحة الناطق السمائي كرائحة بخور .
+ يبدأ الشعب بالتهليل وهو يصلي لحن (تي شوري) أي أن هذه المجمرة التى بيد أبونا هي رمز لأمنا العذراء ، فكما تحوي المجمرة جمر النار هكذا حملت أمنا جمر اللاهوت في أحشائها ولم تحترق ، وكما يخرج بخور ذو رائحة زكية من المجمرة هكذا خرج مخلصنا من أحشاء سيدتنا القديسة مريم ، وقد ولدته وخلصنا وغفر لنا خطايانا .
+ ثم نتضرع متشفعين بشفاعات القديسين لحن (الهيتينيات) معترفين بضعفنا لأننا في الجسد عالمين أننا تحت الآلام والحروب ولم نكمل بعد جهادنا كما يليق لذلك نطلب شفاعاتهم وطلباتهم عنا لكي ينعم لنا الرب بمغفرة خطايانا ... هكذا يصعد البخور حاملاً صلواتنا مع شفاعاتهم ليصل إلى الرب الصالح فيسمع ويجيب .
+ لاحظ عزيزي ترتيب القديسين في هذا اللحن (الهيتينيات) فإنه بحكمة وضع لأن نجم يمتاز عن نجم في المجد .
+ ثم يقرأ البولس وهو فصل من رسائل بولس الرسول .
+ عزيزي ... كم هو ضروري جداً لحياتنا قداس الموعوظين لأن كلمة الله تغسل النفس من أدناسها.. "أنتـــم الآن أنقيـــاء لسبب الكلام الذي كلمتكم به" (يو15: 3) ... وكلما تعمقنا بالروح القدس في كلمة الله كلما غيرت من فكرنا ورفعته شيئاً فشيئاً ليكون لنا فكر المسيح .
+ وهذه القراءات قد وضعت بحكمة روح الله ليعطينا رسالة من كل قداس وهذه الرسائل هي السراج الذي ينير طريقنا الصاعد إلى السماء فكل من سمع وعمل هو حكيم حقاً ... لذلك عزيزي اطلب الروح القدس ليقرأ في قلبك البولس لتعرف رسالته لك، ولاتسمح للقراءات أن تمر على اذنك دون أن تدخل قلبك .
+ أثناء قراءة البولس يصلي أبونـا صلاة سريـة وهي سـر البولس : "... أنعم علينا وعلى شعبك كله بعقل غير منشغل وفهم نقي لكي نعلم ونفهم ما هي منفعة تعاليـمك المقدسة التي قُرأت علينا الآن من قبلـه.."أى من قبل بولس الرسول .
+ بعد قراءة البولس يقرأ أحد الأناغنسطسيين - وهى أول درجات الشمامسة –الكاثوليكون وهو فصل من الرسائل الجامعة (أي التي لم تكتب لجماعـة معينـة) وهم رسائل آباءنا الرسل يعقـوب وبطرس ويـهوذا ويـوحنا ... وفي ختامـها يقول القارئ: "لا تحبـــوا العــــالــــم ولا الأشيــــــاء التي في العالـــم لأن العالـــم يمضي وشهوتــــــــه معـــه أما من يصنـــــــــع مشيئـــــــة الله يبقى إلى الأبـد" (1يو2: 15-17) ... هذه الآية في غاية الأهمية لحياتنا الأبدية فكلما تمسكت بالعالم سقطت معه في فخ الدينونة المرهوبة أما إن تمسكت بكلمة الله وعملت بها عبرت فوق الدينونة إلى الحياة الأبدية .
+ فيا ليت الرب القديـر المخلص يخلصنـا من رباطـات العالم ويصطادنا لنفسـه بحبال النعمة لنسلك بحسب الروح فينطبق القول الرسولي: "إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو8: 1) .
+ وأثناء الكاثوليكون يصلي أبونا الكاهن صلاة سرية تسمى بسر الكاثوليكون وموضوعها هو: "اجعلنا مستحقين نصيبهم (الآباء والرسل) وميراثهم وأنعم علينا كل حين أن نسلك في آثارهم ونكون متشبهين بجهادهم ونشترك معهم في الأعراق (التعب) التي قبلوها على التقوى "
+ ثم يبدأ أبونا دورة بخور أعمال الرسل (الإبركسيس) وبمجرد ما يمسك بالمجمرة نتذكر أم النور مريم فيرتل الشعب بالتهليل لحن (شيري ني ماريا) أي "السلام لك يا مريم ... الحمامة الحسنة ... التي ولدت لنا الله الكلمة ... مبارك هو مخلصنا مع أبيه الصالح والروح القدوس لأنه أتى وخلصنا " .
+ يقرأ أحد الأناغنسطسيين الإبركسيس وهو فصل من أعمال آباءنا الرسل ويختم القارئ قائلاً: "لم تزل كلمة الرب تنمو وتزداد في هذه الكنيسة وكل كنيسة. آمين" لأن عمل الروح القدس في آباءنا الرسل كان البداية والأساس لعمله في الكنيسة كلها عبر الأجيال والسنين ومازال روح الله هو العامل .
+ ثم يقرأ أبونا الكاهن السنكسار الذي هو برهان عمل الروح القدس في الكنيسة لأنه يحكي سير قديسين هذا اليوم وكيف غلبوا العالم بما فيه من شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ومنهم من سفك دمه وبذل حياته رخيصة من أجل الحفاظ على أبديته فنتشجع بهم لأن الروح القدس الذي عمل فيهم هوعلى أتم الاستعداد أن يعمل فينا نحن أيضا إن خضعنا له .
+ وبعد السنكسار يصلي الشعب: "آجيوس أوثيئوس ..." باللحن الخاشع معلنين أن الله هو القدوس وحده صانع القديسين، فإن القديسين الذين نعيّد لهم اليوم ما هم إلا خزف في يد الفخاري الأعظم, عظمتهم في أنهم استسلموا ليد القدوس فصنع منهم قديسين، نفرح بهم ونتعزى بسيرتهم ونشتهي مسلكهم.
+ ثم يصلي أبونا أوشية الإنجيل وهكذا تعلمنا الكنيسة الحبيبة ضرورة الصلاة قبل قراءة الإنجيل حتى في بيوتنا فإننا نصلي أن تدخل تلك الكلمات كالمطرقة على الصخر لتصير قلوبنا أرضاً صالحة، وكالمطر على البذور لتأتي بالثمار المرجوة .
+ وفي أوشيـة الإنجـيل نتـذكر النعمة العظيمة التي لنا نحن الضعفاء فإن أنبيـاء وأبـرار العهـد القديـم اشتـهوا أن يسمعوا ما نحن نسمع ولم يـسمعوا بل من بعيـد نـظروا رمـوزها وحيّـوها وصدقوها وأقـروا بأنـهم غربـاء ونـزلاء ... فلننتـهز نحن هذه النـعمة العظيـمة وننصت بكل خشوع وحكمة فإنه هو الرب الإله الذي يتكلم فكيف لا أهتم بكلامه؟! وكيف أترك أصوات أفكار أخرى تعلو فوق صوته الحلو ؟ !
+ وأثناء قراءة الإنجيل يصلي أبونا صلاة سرية يطلب فيها من أجل الموعوظين فإنه في العصور الأولى للمسيحية كان الموعوظين (طالبين المعمودية) يواظبون على قداس الموعوظين ثم يخرجون، فقبل خروجهم يصلي أبونا من أجلهم قائلاً: "ناموسك, خوفك, وصاياك, حقوقك وأوامرك المقدسة ثبتها في قلوبهم, امنحهم أن يعرفوا قوة الكلام الذي وعظوا به وفي الزمان المحدد فليستـحقوا جميـعهم الميلاد الجديد لغفران خطاياهم إذ تـعدهم هيـكلاً لروحك القـدوس ..." أما نـحن فحتى بعد معموديتنا كثيـرا ما نسلك ضد ناموسـه ووصاياه وأوامره فكم نحتاج إلي هذه الطلبة .
أواشي قداس الموعوظين:
+ نلاحظ أن الكنيسة دائما تصلي صلوات الأواشي (الطلبات) بعد قراءة الإنجيل .
بعد قراءة الإنجيل في رفع بخور باكر وعشية، وفي قداس الموعوظين، وبعد التحول في قداس المؤمنين نصلى الأواشى ... فمسيحنا هو الكلمة المقروءة (الإنجيل) والكلمة المأكولة (ذبيحة الإفخارستيا) .
+ ففي رفع بخور باكر وعشية يستعلن لنا المسيح المستتر عن العالم ولكنه معلن لأحبائه بالإيمان وحينما يستعلن المسيح المستتر عن عيوننا فقط نصلى له الأواشي .
أيضاً في قداس الموعوظين يستعلن المسيح المعلم وبعد قراءة الإنجيل نصلى الأواشي .
أما في قداس المؤمنين يستعلن المسيح المذبوح وبعد التحول نصلى الأواشي .
+ مما سبق نجد أنه حينما يستعلن المسيح للكنيسة بأي صورة من الصور السابقة ترتفع الكنيسة بالروح وتجد نفسها قريبة من عريسها الحبيب فتنتهز هذه الفرصة لتصلي وتتشفع من أجل المحتاجين مدفوعة بدافع الحب الإلهي الذي سبق الروح القدس وسكبه في قلبها ... "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5: 5) .
+ وبعد قراءة الإنجيـل يصلي أبونا الثلاث أواشي الكبار: السلامة – الآباء – الاجتماعات (سيناكسس) .
+ ففي أوشية السلامة نصلي هكذا: "الرئيس والجند والوزراء والجموع وجيراننا ومداخلنا ومخارجنا زينهم بكل سلام يا ملك السلام" .
+ ثم نصلي أوشية الآباء نذكر فيها البابا البطريرك والآباء الأساقفة أن يحفظهم الرب لنا بسلام وعناية ليفصلوا كلمة الحق باستقامة .
+ ثم نصلي أوشية الاجتماعات (القداسات وبقية صلوات الكنيسة الطقسية الجماعية التى نسميها ليتورجيا) لتكون كنائسنا بيـوت صلاة ...بيوت طهارة ... بيوت بركة لنا وللآتين بعدنا إلى الأبد .
+ ثم نصلي جميعاً قانون الإيمان معلنين إيماننا الصحيح ثم يغسل أبونا يديه وينفضها أمام الشعب محذراً الجميع لئلا ينكر أحد إيمانه أو يتلوه بالفم فقط دون الإيمان الحي وهكذا يعلن براءته من المخالف .
+ وبهذا ينتهي قداس الموعوظين وفي القرون الأولى للمسيحية كان الموعوظين يخرجون بعد ذلك وليس لهم الحق في الاشتراك في قداس المؤمنين إلا بعد أن يعتمدوا بالماء والروح لأن قداس المؤمنين هوخبز البنين ولا يعطى إلا للبنين ... "لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا درركم أمام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم" (مت7: 6).
من هنا نلاحظ الارتقاء من صلاة رفع بخور إلى قداس الموعوظين إلى قداس المؤمنين .
قداس المؤمنين
صلاة الصلح:
+ قبل بداية قداس المؤمنين يخرج الموعوظين من الكنيسة لأنهم لم ينالوا البنوة بعد فقداس المؤمنين هو بمثابة دخول العروس إلى حجال العريس لتتمتع بجماله وتتذوق حبه لذا فليس هناك مكان لغريب .
+ كل من القداس الباسيلي والكيرلسي يخاطبان الله الآب أما القداس الغريغوري فيخاطب الله الابن .
+ تبدأ صلوات الصلح بمناداة الرب والتغني بصفاته السامية ... "يا الله العظيم الأبدي" ... "يا رئيس الحياة وملك الدهور" وفي القداس الغريغوري: "أيها الكائن الذي كان والدائم إلى الأبد" فيسوع المسيح هو أمس واليوم وإلى الأبد فكل صفة من هذه الصفات تطمئنا وتشبع نفوسنا .
+ وفي صلاة الصلح أيضاً نعترف بأنه هو الذي بدأ وصالحنا لنفسه بابنه الوحيد الجنس إذ ونحن أموات بخطايانا أتى الابن وهدم أسوار الخطية المحيطة بنا وأعاد لنا الحياة .
+ عزيزي ... في كل مرة تصلى مع الكنيسة: "والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس ... هدمته بالظهور المحيي ..." اسأل نفسك هل أسوار الخطية التي بداخلك هدمت أم مازالت مرعبة لك؟ حتى لو كان هذا هو الحال فها هو مخلصنا معنا اليوم على المذبح بكل قوة لاهوته أتي خصيصاً لهـدم الخـطيـة والمـوت الذي فيك وإحياءك حياة أبدية بظهوره المحيي في قلبك فلا تكف عن الصراخ إليه فإنه هو وحده رجاؤك .
+ كما أن في صـلاة الصلـح يستـعلن سـلام الله الذي يفـوق كل عقـل, المخصص للعـروس تلبسـه كالحلة فلا تطولها فزع التجارب .
+ وكما أننا في صلاة الصلح نصطلح مع الله أو بالحري نعترف بصلحنا معه الذي تممه لنا على الصليب وقبلناه بسر التوبة والاعتراف, هكذا أيضاً نعلن صلحنا بعضنا مع بعض بمحبة كاملة إذ كيف نقترب من مائدة الحب الإلهي ونحن نحتفظ في قلوبنا ببغضة أو خصام, لذلك عزيزي افحص نفسك بحرص شديد ... "وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبـــح واذهب أولاً اصطلح مع أخيـــــك وحينئــــذ تعال وقـــــدم قربانـــك" (مت5: 23) ... احذر من أن تقترب من جسد الرب ودمه وأنت محتفظ ببغضة أوخصام, إنه أمر خطير للغاية .
+ عزيزي ... إن صلوات القداس الإلهي كلها تخدم سر واحد عظيم وهو سر (الإفخارستيا) الذي هو شركة في جسد الرب ودمه اللذان يقدمهما لنا كل يوم على المذبح إعلاناً صارخاً لحبه اللانهائي إذ بذل ذاته على عود الصليب عن حياة الخطاة الذين أولهم أنا فتناثر جسده من جراء الجلدات وصار للخطاة طعاماً وسال دمه فأعطاه لنا شراباً لنتذوق الحب الإلهي كيف يكون!! فهل يليق بنا الآن أن نقترب من هذه المائدة الإلهية ونحن نحتفظ في قلوبنا ببغضة أو خصام حتى ولو كان لعدو؟؟ إن العدو يريد أن يخاصمنا لأسباب أرضية دنيوية أما نحن الآن فنستعد لوطن أعظم نعبر إليه من خلال سر الخلود ... جسد ودم المسيح, وهذه المحبة التي في قلوبنا هي ثمرة عمل الروح القدس ..."لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5: 5) .
+ وهنا يصرخ الشماس: "قبلوا بعضكم بعضاً بقبلة مقدسة ..." هنا وإن كنا في الظاهر نقبل بعضنا بعضاً باليد لكن الواقع أن قلوبنا هي التي تقبل أخواتنا, وأرواحنا هي التي تتحد بالكنيسة كلها في كل المسكونة بالحب الإلهي المنسكب في القلوب ... حينئذ وحينئذ فقط يرتفع (الإبروسفارين) من على المذبح لنعاين القرابين السماوية إذ لا يليق لكاره أو مخاصم أن يتطلع لمائدة الحب الإلهي. عزيزي ... إذا فتشت قلبك ولم تجد فيه هذا الحب واشتهيت أن يملؤك به الروح القدس فتب وابكي تجاه نعمته وكابد الشقاء حتى يرسل لك المعونة وتعال إلى الوليمة السماوية لتأخذ لنفسك من مائدة الحب الإلهي حباً كيفما تشاء فيعطى لك .
+ وفي القداس الغريغوري يكمل الشماس قائلاً: "قبلوا ... وانظروا المذبح وجسد ودم عمانوئيل إلهنا موضوعين عليه ... الملائكة ورؤساء الملائكة قيام ..." ونحن حينما ننظر السمائيين حول المذبح نرتعب من ضعف بشريتنا وانغماس جبلتنا إلى أسفل ، وبدلاً من أن نقول مع أشعياء النبي: "ويل لي لأني هلكت ..." نتشفع بوالدة الإله فخر جنسنا لتشفع في بني جنسها ليغفـر لنا الرب خطايانـا ونقوى على الوقـوف في هذا المحفل السـماوي الرهيب وهكذا يرد الشعب كله لحن "بشفاعة والدة الإله القديسة مريم ...".
+ بعدما يرفع الإبروسفارين نبدأ في قداس المؤمنين فبعدما تصالحنا مع الله ومع بعضنا بعضاً نبدأ في الصعود إلي السماء فيعلن لنا أبونا: "الرب مع جميعكم" أوكما في القداس الغريغوري يوضح لنا عمق هذه المعية هكذا: "محبـة الله الأب ونعمة الابن الوحيد وشركة الروح القدس تكون مع جميعكم" ... ما أحلاها معية أن يكون الثالوث القدوس معنا فالله الأب اتصف بالحب لأن "الله محبة" وبحبه بذل ابنه الوحيد فداءً عنا, والله الابن اتصف بالنعمـة لأن الله الكلمـة أعطى نفسه لنا عطيـة عندما أخذ الذي لنا ليعطينا الذي له ، أما الروح القدس فارتضى أن يكون شريكاً لكل واحد منا .
+ منذ أن دهنت بالميرون المقدس وأصبحت هيكل لسكن روح الله صار شريك كل لحظة ... شريك حياتك حتى إلى الأبدية السعيدة ... ما أعظمها شركة وما أحلاها معية وما أقدسها بداية لقداس المؤمنين!! لذلك يرد الشعب أيضاً بفرح وحب: "ولروحك أيضاً".
يسأل أبونا: "أين هي قلوبكـم؟" ونحن صاعدون بالروح إلى رفعة سماوية ... هل قلبك وروحك صاعدة مع الكنيسة أم مازالت في الأرض تفكر ؟
+ عزيزي ... في هذه اللحظات المجيدة تتضاءل بل وتتلاشى كل هموم العالم ومشاكله الضاغطة لأنه "إن كان الله معنا فمن علينا؟!" لذلك القي على الرب همك وأنت واثق أنه يعولك أنت وكل من لك .
+ هل قلبك وروحك صاعدة مع الكنيسة أم مازالت في العالم متلذذة ؟
+ عزيزي ... اعلم إن كل لذات العالم خداع ولا توجد لذة تساوي الوجود مع الله ومعية الله للإنسان ... إنها لذة رافعة للنفس لتتذوق سعادة لم يعرفها العالم ولا عظماء هذا الدهر فلا يفوتك هذا الأمر واطلب من الرب أن يرفع قلبك إليه لتنسى كل ما في العالم من همـوم وتستسلم ليد الرب الرافعة وتردد مع الكنيسـة المفديـة: "هي عند الـرب" ... حينئذ تشكر الرب الذي رفعك فوق مستـوى العالـم وأعطاك أن تختبر مع القديسين ... "وقفـت على قمـة العالـم حينما أصبحت لا أخاف شيء ولا أشتهي شيء".
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
وإلى اللقاء فى الجزء الثالث
قداس الموعوظين
القراءات والدورات:
+ بعد تحليل الخدام يبدأ أبونا بدورة البولس وفيها يطوف الكنيسة بالبخور (وقد سبق وتحدثنا عن البخور) فإن البخور ليس فقط يختص بالعهد القديم بل ويمتد إلى الدهر الآتي مع "الـ 24 شيخاً " (رؤ5: 8) ... وإن كانت صلوات الأشرار مكرهة للرب فصلوات القديسين رائحة بخور زكية يشتمها الله لذلك فإن أبونا يجمع صلوات الكنيسة المنظورة ويرفعها إلى الله أمام مذبحة الناطق السمائي كرائحة بخور .
+ يبدأ الشعب بالتهليل وهو يصلي لحن (تي شوري) أي أن هذه المجمرة التى بيد أبونا هي رمز لأمنا العذراء ، فكما تحوي المجمرة جمر النار هكذا حملت أمنا جمر اللاهوت في أحشائها ولم تحترق ، وكما يخرج بخور ذو رائحة زكية من المجمرة هكذا خرج مخلصنا من أحشاء سيدتنا القديسة مريم ، وقد ولدته وخلصنا وغفر لنا خطايانا .
+ ثم نتضرع متشفعين بشفاعات القديسين لحن (الهيتينيات) معترفين بضعفنا لأننا في الجسد عالمين أننا تحت الآلام والحروب ولم نكمل بعد جهادنا كما يليق لذلك نطلب شفاعاتهم وطلباتهم عنا لكي ينعم لنا الرب بمغفرة خطايانا ... هكذا يصعد البخور حاملاً صلواتنا مع شفاعاتهم ليصل إلى الرب الصالح فيسمع ويجيب .
+ لاحظ عزيزي ترتيب القديسين في هذا اللحن (الهيتينيات) فإنه بحكمة وضع لأن نجم يمتاز عن نجم في المجد .
+ ثم يقرأ البولس وهو فصل من رسائل بولس الرسول .
+ عزيزي ... كم هو ضروري جداً لحياتنا قداس الموعوظين لأن كلمة الله تغسل النفس من أدناسها.. "أنتـــم الآن أنقيـــاء لسبب الكلام الذي كلمتكم به" (يو15: 3) ... وكلما تعمقنا بالروح القدس في كلمة الله كلما غيرت من فكرنا ورفعته شيئاً فشيئاً ليكون لنا فكر المسيح .
+ وهذه القراءات قد وضعت بحكمة روح الله ليعطينا رسالة من كل قداس وهذه الرسائل هي السراج الذي ينير طريقنا الصاعد إلى السماء فكل من سمع وعمل هو حكيم حقاً ... لذلك عزيزي اطلب الروح القدس ليقرأ في قلبك البولس لتعرف رسالته لك، ولاتسمح للقراءات أن تمر على اذنك دون أن تدخل قلبك .
+ أثناء قراءة البولس يصلي أبونـا صلاة سريـة وهي سـر البولس : "... أنعم علينا وعلى شعبك كله بعقل غير منشغل وفهم نقي لكي نعلم ونفهم ما هي منفعة تعاليـمك المقدسة التي قُرأت علينا الآن من قبلـه.."أى من قبل بولس الرسول .
+ بعد قراءة البولس يقرأ أحد الأناغنسطسيين - وهى أول درجات الشمامسة –الكاثوليكون وهو فصل من الرسائل الجامعة (أي التي لم تكتب لجماعـة معينـة) وهم رسائل آباءنا الرسل يعقـوب وبطرس ويـهوذا ويـوحنا ... وفي ختامـها يقول القارئ: "لا تحبـــوا العــــالــــم ولا الأشيــــــاء التي في العالـــم لأن العالـــم يمضي وشهوتــــــــه معـــه أما من يصنـــــــــع مشيئـــــــة الله يبقى إلى الأبـد" (1يو2: 15-17) ... هذه الآية في غاية الأهمية لحياتنا الأبدية فكلما تمسكت بالعالم سقطت معه في فخ الدينونة المرهوبة أما إن تمسكت بكلمة الله وعملت بها عبرت فوق الدينونة إلى الحياة الأبدية .
+ فيا ليت الرب القديـر المخلص يخلصنـا من رباطـات العالم ويصطادنا لنفسـه بحبال النعمة لنسلك بحسب الروح فينطبق القول الرسولي: "إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو8: 1) .
+ وأثناء الكاثوليكون يصلي أبونا الكاهن صلاة سرية تسمى بسر الكاثوليكون وموضوعها هو: "اجعلنا مستحقين نصيبهم (الآباء والرسل) وميراثهم وأنعم علينا كل حين أن نسلك في آثارهم ونكون متشبهين بجهادهم ونشترك معهم في الأعراق (التعب) التي قبلوها على التقوى "
+ ثم يبدأ أبونا دورة بخور أعمال الرسل (الإبركسيس) وبمجرد ما يمسك بالمجمرة نتذكر أم النور مريم فيرتل الشعب بالتهليل لحن (شيري ني ماريا) أي "السلام لك يا مريم ... الحمامة الحسنة ... التي ولدت لنا الله الكلمة ... مبارك هو مخلصنا مع أبيه الصالح والروح القدوس لأنه أتى وخلصنا " .
+ يقرأ أحد الأناغنسطسيين الإبركسيس وهو فصل من أعمال آباءنا الرسل ويختم القارئ قائلاً: "لم تزل كلمة الرب تنمو وتزداد في هذه الكنيسة وكل كنيسة. آمين" لأن عمل الروح القدس في آباءنا الرسل كان البداية والأساس لعمله في الكنيسة كلها عبر الأجيال والسنين ومازال روح الله هو العامل .
+ ثم يقرأ أبونا الكاهن السنكسار الذي هو برهان عمل الروح القدس في الكنيسة لأنه يحكي سير قديسين هذا اليوم وكيف غلبوا العالم بما فيه من شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ومنهم من سفك دمه وبذل حياته رخيصة من أجل الحفاظ على أبديته فنتشجع بهم لأن الروح القدس الذي عمل فيهم هوعلى أتم الاستعداد أن يعمل فينا نحن أيضا إن خضعنا له .
+ وبعد السنكسار يصلي الشعب: "آجيوس أوثيئوس ..." باللحن الخاشع معلنين أن الله هو القدوس وحده صانع القديسين، فإن القديسين الذين نعيّد لهم اليوم ما هم إلا خزف في يد الفخاري الأعظم, عظمتهم في أنهم استسلموا ليد القدوس فصنع منهم قديسين، نفرح بهم ونتعزى بسيرتهم ونشتهي مسلكهم.
+ ثم يصلي أبونا أوشية الإنجيل وهكذا تعلمنا الكنيسة الحبيبة ضرورة الصلاة قبل قراءة الإنجيل حتى في بيوتنا فإننا نصلي أن تدخل تلك الكلمات كالمطرقة على الصخر لتصير قلوبنا أرضاً صالحة، وكالمطر على البذور لتأتي بالثمار المرجوة .
+ وفي أوشيـة الإنجـيل نتـذكر النعمة العظيمة التي لنا نحن الضعفاء فإن أنبيـاء وأبـرار العهـد القديـم اشتـهوا أن يسمعوا ما نحن نسمع ولم يـسمعوا بل من بعيـد نـظروا رمـوزها وحيّـوها وصدقوها وأقـروا بأنـهم غربـاء ونـزلاء ... فلننتـهز نحن هذه النـعمة العظيـمة وننصت بكل خشوع وحكمة فإنه هو الرب الإله الذي يتكلم فكيف لا أهتم بكلامه؟! وكيف أترك أصوات أفكار أخرى تعلو فوق صوته الحلو ؟ !
+ وأثناء قراءة الإنجيل يصلي أبونا صلاة سرية يطلب فيها من أجل الموعوظين فإنه في العصور الأولى للمسيحية كان الموعوظين (طالبين المعمودية) يواظبون على قداس الموعوظين ثم يخرجون، فقبل خروجهم يصلي أبونا من أجلهم قائلاً: "ناموسك, خوفك, وصاياك, حقوقك وأوامرك المقدسة ثبتها في قلوبهم, امنحهم أن يعرفوا قوة الكلام الذي وعظوا به وفي الزمان المحدد فليستـحقوا جميـعهم الميلاد الجديد لغفران خطاياهم إذ تـعدهم هيـكلاً لروحك القـدوس ..." أما نـحن فحتى بعد معموديتنا كثيـرا ما نسلك ضد ناموسـه ووصاياه وأوامره فكم نحتاج إلي هذه الطلبة .
أواشي قداس الموعوظين:
+ نلاحظ أن الكنيسة دائما تصلي صلوات الأواشي (الطلبات) بعد قراءة الإنجيل .
بعد قراءة الإنجيل في رفع بخور باكر وعشية، وفي قداس الموعوظين، وبعد التحول في قداس المؤمنين نصلى الأواشى ... فمسيحنا هو الكلمة المقروءة (الإنجيل) والكلمة المأكولة (ذبيحة الإفخارستيا) .
+ ففي رفع بخور باكر وعشية يستعلن لنا المسيح المستتر عن العالم ولكنه معلن لأحبائه بالإيمان وحينما يستعلن المسيح المستتر عن عيوننا فقط نصلى له الأواشي .
أيضاً في قداس الموعوظين يستعلن المسيح المعلم وبعد قراءة الإنجيل نصلى الأواشي .
أما في قداس المؤمنين يستعلن المسيح المذبوح وبعد التحول نصلى الأواشي .
+ مما سبق نجد أنه حينما يستعلن المسيح للكنيسة بأي صورة من الصور السابقة ترتفع الكنيسة بالروح وتجد نفسها قريبة من عريسها الحبيب فتنتهز هذه الفرصة لتصلي وتتشفع من أجل المحتاجين مدفوعة بدافع الحب الإلهي الذي سبق الروح القدس وسكبه في قلبها ... "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5: 5) .
+ وبعد قراءة الإنجيـل يصلي أبونا الثلاث أواشي الكبار: السلامة – الآباء – الاجتماعات (سيناكسس) .
+ ففي أوشية السلامة نصلي هكذا: "الرئيس والجند والوزراء والجموع وجيراننا ومداخلنا ومخارجنا زينهم بكل سلام يا ملك السلام" .
+ ثم نصلي أوشية الآباء نذكر فيها البابا البطريرك والآباء الأساقفة أن يحفظهم الرب لنا بسلام وعناية ليفصلوا كلمة الحق باستقامة .
+ ثم نصلي أوشية الاجتماعات (القداسات وبقية صلوات الكنيسة الطقسية الجماعية التى نسميها ليتورجيا) لتكون كنائسنا بيـوت صلاة ...بيوت طهارة ... بيوت بركة لنا وللآتين بعدنا إلى الأبد .
+ ثم نصلي جميعاً قانون الإيمان معلنين إيماننا الصحيح ثم يغسل أبونا يديه وينفضها أمام الشعب محذراً الجميع لئلا ينكر أحد إيمانه أو يتلوه بالفم فقط دون الإيمان الحي وهكذا يعلن براءته من المخالف .
+ وبهذا ينتهي قداس الموعوظين وفي القرون الأولى للمسيحية كان الموعوظين يخرجون بعد ذلك وليس لهم الحق في الاشتراك في قداس المؤمنين إلا بعد أن يعتمدوا بالماء والروح لأن قداس المؤمنين هوخبز البنين ولا يعطى إلا للبنين ... "لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا درركم أمام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم" (مت7: 6).
من هنا نلاحظ الارتقاء من صلاة رفع بخور إلى قداس الموعوظين إلى قداس المؤمنين .
قداس المؤمنين
صلاة الصلح:
+ قبل بداية قداس المؤمنين يخرج الموعوظين من الكنيسة لأنهم لم ينالوا البنوة بعد فقداس المؤمنين هو بمثابة دخول العروس إلى حجال العريس لتتمتع بجماله وتتذوق حبه لذا فليس هناك مكان لغريب .
+ كل من القداس الباسيلي والكيرلسي يخاطبان الله الآب أما القداس الغريغوري فيخاطب الله الابن .
+ تبدأ صلوات الصلح بمناداة الرب والتغني بصفاته السامية ... "يا الله العظيم الأبدي" ... "يا رئيس الحياة وملك الدهور" وفي القداس الغريغوري: "أيها الكائن الذي كان والدائم إلى الأبد" فيسوع المسيح هو أمس واليوم وإلى الأبد فكل صفة من هذه الصفات تطمئنا وتشبع نفوسنا .
+ وفي صلاة الصلح أيضاً نعترف بأنه هو الذي بدأ وصالحنا لنفسه بابنه الوحيد الجنس إذ ونحن أموات بخطايانا أتى الابن وهدم أسوار الخطية المحيطة بنا وأعاد لنا الحياة .
+ عزيزي ... في كل مرة تصلى مع الكنيسة: "والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس ... هدمته بالظهور المحيي ..." اسأل نفسك هل أسوار الخطية التي بداخلك هدمت أم مازالت مرعبة لك؟ حتى لو كان هذا هو الحال فها هو مخلصنا معنا اليوم على المذبح بكل قوة لاهوته أتي خصيصاً لهـدم الخـطيـة والمـوت الذي فيك وإحياءك حياة أبدية بظهوره المحيي في قلبك فلا تكف عن الصراخ إليه فإنه هو وحده رجاؤك .
+ كما أن في صـلاة الصلـح يستـعلن سـلام الله الذي يفـوق كل عقـل, المخصص للعـروس تلبسـه كالحلة فلا تطولها فزع التجارب .
+ وكما أننا في صلاة الصلح نصطلح مع الله أو بالحري نعترف بصلحنا معه الذي تممه لنا على الصليب وقبلناه بسر التوبة والاعتراف, هكذا أيضاً نعلن صلحنا بعضنا مع بعض بمحبة كاملة إذ كيف نقترب من مائدة الحب الإلهي ونحن نحتفظ في قلوبنا ببغضة أو خصام, لذلك عزيزي افحص نفسك بحرص شديد ... "وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبـــح واذهب أولاً اصطلح مع أخيـــــك وحينئــــذ تعال وقـــــدم قربانـــك" (مت5: 23) ... احذر من أن تقترب من جسد الرب ودمه وأنت محتفظ ببغضة أوخصام, إنه أمر خطير للغاية .
+ عزيزي ... إن صلوات القداس الإلهي كلها تخدم سر واحد عظيم وهو سر (الإفخارستيا) الذي هو شركة في جسد الرب ودمه اللذان يقدمهما لنا كل يوم على المذبح إعلاناً صارخاً لحبه اللانهائي إذ بذل ذاته على عود الصليب عن حياة الخطاة الذين أولهم أنا فتناثر جسده من جراء الجلدات وصار للخطاة طعاماً وسال دمه فأعطاه لنا شراباً لنتذوق الحب الإلهي كيف يكون!! فهل يليق بنا الآن أن نقترب من هذه المائدة الإلهية ونحن نحتفظ في قلوبنا ببغضة أو خصام حتى ولو كان لعدو؟؟ إن العدو يريد أن يخاصمنا لأسباب أرضية دنيوية أما نحن الآن فنستعد لوطن أعظم نعبر إليه من خلال سر الخلود ... جسد ودم المسيح, وهذه المحبة التي في قلوبنا هي ثمرة عمل الروح القدس ..."لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5: 5) .
+ وهنا يصرخ الشماس: "قبلوا بعضكم بعضاً بقبلة مقدسة ..." هنا وإن كنا في الظاهر نقبل بعضنا بعضاً باليد لكن الواقع أن قلوبنا هي التي تقبل أخواتنا, وأرواحنا هي التي تتحد بالكنيسة كلها في كل المسكونة بالحب الإلهي المنسكب في القلوب ... حينئذ وحينئذ فقط يرتفع (الإبروسفارين) من على المذبح لنعاين القرابين السماوية إذ لا يليق لكاره أو مخاصم أن يتطلع لمائدة الحب الإلهي. عزيزي ... إذا فتشت قلبك ولم تجد فيه هذا الحب واشتهيت أن يملؤك به الروح القدس فتب وابكي تجاه نعمته وكابد الشقاء حتى يرسل لك المعونة وتعال إلى الوليمة السماوية لتأخذ لنفسك من مائدة الحب الإلهي حباً كيفما تشاء فيعطى لك .
+ وفي القداس الغريغوري يكمل الشماس قائلاً: "قبلوا ... وانظروا المذبح وجسد ودم عمانوئيل إلهنا موضوعين عليه ... الملائكة ورؤساء الملائكة قيام ..." ونحن حينما ننظر السمائيين حول المذبح نرتعب من ضعف بشريتنا وانغماس جبلتنا إلى أسفل ، وبدلاً من أن نقول مع أشعياء النبي: "ويل لي لأني هلكت ..." نتشفع بوالدة الإله فخر جنسنا لتشفع في بني جنسها ليغفـر لنا الرب خطايانـا ونقوى على الوقـوف في هذا المحفل السـماوي الرهيب وهكذا يرد الشعب كله لحن "بشفاعة والدة الإله القديسة مريم ...".
+ بعدما يرفع الإبروسفارين نبدأ في قداس المؤمنين فبعدما تصالحنا مع الله ومع بعضنا بعضاً نبدأ في الصعود إلي السماء فيعلن لنا أبونا: "الرب مع جميعكم" أوكما في القداس الغريغوري يوضح لنا عمق هذه المعية هكذا: "محبـة الله الأب ونعمة الابن الوحيد وشركة الروح القدس تكون مع جميعكم" ... ما أحلاها معية أن يكون الثالوث القدوس معنا فالله الأب اتصف بالحب لأن "الله محبة" وبحبه بذل ابنه الوحيد فداءً عنا, والله الابن اتصف بالنعمـة لأن الله الكلمـة أعطى نفسه لنا عطيـة عندما أخذ الذي لنا ليعطينا الذي له ، أما الروح القدس فارتضى أن يكون شريكاً لكل واحد منا .
+ منذ أن دهنت بالميرون المقدس وأصبحت هيكل لسكن روح الله صار شريك كل لحظة ... شريك حياتك حتى إلى الأبدية السعيدة ... ما أعظمها شركة وما أحلاها معية وما أقدسها بداية لقداس المؤمنين!! لذلك يرد الشعب أيضاً بفرح وحب: "ولروحك أيضاً".
يسأل أبونا: "أين هي قلوبكـم؟" ونحن صاعدون بالروح إلى رفعة سماوية ... هل قلبك وروحك صاعدة مع الكنيسة أم مازالت في الأرض تفكر ؟
+ عزيزي ... في هذه اللحظات المجيدة تتضاءل بل وتتلاشى كل هموم العالم ومشاكله الضاغطة لأنه "إن كان الله معنا فمن علينا؟!" لذلك القي على الرب همك وأنت واثق أنه يعولك أنت وكل من لك .
+ هل قلبك وروحك صاعدة مع الكنيسة أم مازالت في العالم متلذذة ؟
+ عزيزي ... اعلم إن كل لذات العالم خداع ولا توجد لذة تساوي الوجود مع الله ومعية الله للإنسان ... إنها لذة رافعة للنفس لتتذوق سعادة لم يعرفها العالم ولا عظماء هذا الدهر فلا يفوتك هذا الأمر واطلب من الرب أن يرفع قلبك إليه لتنسى كل ما في العالم من همـوم وتستسلم ليد الرب الرافعة وتردد مع الكنيسـة المفديـة: "هي عند الـرب" ... حينئذ تشكر الرب الذي رفعك فوق مستـوى العالـم وأعطاك أن تختبر مع القديسين ... "وقفـت على قمـة العالـم حينما أصبحت لا أخاف شيء ولا أشتهي شيء".
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
وإلى اللقاء فى الجزء الثالث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.