تأملات روحية فى القداس الآلهى – الجزء الأول
القداس الإلهي حفل سماوي
أدعوك عزيزي للتمتع برهبة وحلاوة شركة القداس الإلهي فإن لحضور القداس الإلهي رهبة عذبة لكل مسيحي إذ فيه نلتقي بالمسيح الذي هو أمس واليوم وإلى الأبد ... نلتقي بالمسيح الذي هو فوق الزمان إذ نصنع ذكرى الماضي والآتي ونحن لا نزال في الحاضر, وهذه الذكرى ليست تذكار فكري بل روحي يفيـد إعادة حدوث الشيء وإحضار كل الأحداث معاً وهذه تسمى باليونانية (أنامنسيـس) كما يصلي أبونا لله الآب: "ففيما نحن أيضاً نصنـع ذكرى(أنامنسيـس) آلامه المقدسة وقيامته من الأموات وصعوده إلى السماوات... وظهـوره الثاني الآتـي من السمـاوات المخـوف والمملـوء مجـداً" ... ففي كل قـداس نواجـه الدينونة المرهوبة والمجيء الثانـي المخوف والمحبـوب في آن واحد ... أي رهبة تكون هذه ؟ ! .
+ أن القداس الإلهي هو لقاء حب على أعلى مستوى عرفته البشرية إذ فيه العريس الإلهي يحب العروس حتى الموت ويقدم الآن جسده ودمه أي حياته لعروسه على المذبح.
كما أن فيه أيضاً نجد العروس السعيدة وهي متمتعة بحب عريسها وسكرانة من شدة الحب الإلهي تقدم للعريس أسمى وأرق مشاعر حبها فتخرج كلمات وصلوات القداس نغمات حب عذب يرتفع بها الإنسان ليحيا نعيم الفردوس الأول وعربون جمال الملكوت وهو مازال بالجسد ... حيث لا مكان لأي آلام جسديـة أو ضيقـات نفسيـة أو أوجاع خطية.
وبعدما ينتهي القداس نتساءل أين كنا؟ في السماء أم على الأرض ؟ أم أن رب السماء جاء إلينا بكل بركات تجسده ونعمة فداءه ورهبة دينونته ؟ ... إنها رفعة روحية ليس لها وصف أرضي ...
عزيزي ... أين أنت من كل هذه المتعة ؟ فتعال وادعو الآخرين ...
القداس الإلهي يؤهلنا للاتحاد بالرب
+ الكنيسة تدعو الجميع للاتحاد بالرب والاشتراك في جسده ودمه الأقدسين فالكنيسة لا تريد أن يكون هناك متناولين ومتفرجين بل الجميع يتناولون ولا تستثني أحداً إلا الخارجيـن عن الإيمان أو الذين في حالـة خصـام عنيد أو تحت قانون توبة يمنعهم من التناول ... أما كل من يحرم نفسه من المذبح بإرادته الخاصة هو كمثل غصن الكرمة الجاف الذي لا تصل إليه عصارتها فيئول إلى القطع ثم يلقونه في النار.
+ فالكنيسة تدعو الخطاة – وكلنا خطاة – للاتحاد بالرب المذبوح على المذبح لأجلنا ... "الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم" (يو6: 53) ... وهنا يأتي دور القداس الإلهي إذ يعد الخطاة في طريق التوبة والانسحاق والتقديـس لكي نتناول نحن الخطاة بالاستحقاق المقبول أمامه ألا وهـوانسحاق القلب ... "إلى هذا أنظـر, إلى المسكيـن بالروح والمرتعـد من كلامـي" (أش2: 66).
+ فمن خلال صلوات القداس المطولة بمراحلها المختلفة وألحانها ذات النغمات المعزية تنسحق نفوسنا وتتقدس بفعل روح الله القدوس فكلنا يعلم أن الصلاة تقدس الأشياء فالكنيسة تصلي على الماء والزيت والبيوت لتقدسها وبالأحرى نحن أنفسنا نتقدس بالصلاة إذ بها نقدم توبة ودموع وانسحاق وبها يتحنن الرب على المساكين بالروح وينزل ليشبعهم به فيتقدسون .
+ عزيزي ... جيد لي ولك أن يدخل كل منا الكنيسة وهو حاسباً نفسه آخر الكل وأكثر المحتاجين إلى الشفاء وأن جميع المؤمنين قد اجتمعوا معي اليوم ليصلوا عني ويسندوا جهادي بتسبيحاتهم وتضرعاتهم لأني أكثر الأعضاء مرضاً في هذا الجسد الرائع .
+ إن صلوات القداس تقدس الناس والمكان لذلك ليس عبثاً أن تطيل الكنيسة صلواتها وأنغامها حتى تهيئ لي ولك الفرصة ليأخذ كل منا نصيبه من التقديس .
لذلك ندعوك أيها الحبيب أن تجتهد أنت وكل من لك وتبكر إلى القداس لتأخذ نصيبك الكامل من التقديس فتؤهل للاتحاد بالرب وتكون ذبيحة المسيح عاملة فيك .
عبادتنا في القداس الإلهي
+ تأخذنا الكنيسة عبر صلوات القداس بمراحله المختلفة في رحلة روحية إلى السماء، والفرح الذي ينتج عن هذه الرحلة السعيدة يجعلنا نشتهي أن تكون حياتنا كلها قداس واحد مستمر على غرار بطرس الرسول وهو على جبل طابور حينما قال: "جيد يا رب أن نكون ههنا" ... ولكن لابد لنا الآن أن ننزل من جبل التجلي لنخبر بفضائل الذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب ونقول مع المرنم: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب".
+ والكنيسة تعد نفوسنا للاتحاد الزيجي السري بيننا وبين عريسنا الحبيب يسوع بصلوات كثيرة تبدأ من عشية اليوم بتسبحة عشية ثم رفع بخور عشية وتسبحة نصف الليل ثم رفع بخور باكر وتقدمة الحمل وقداس الموعوظين ثم قداس المؤمنين الذي ينتهي بسر الأسرار الذي به تتم زيجتنا السرية بيسوعنا الحبيب .
+ بادئ ذي بدء أقول لك أيها الحبيب أننا نعبد إلهنا بكل كياننا فالجسد يقف بوقار شديد في خشوع كمن هو أمام لهيب نار والنفس تنضبط بكل أفكارها ومشاعرها نحوعريسها والروح تنقاد بروح الله القدوس لتدفع الجسد والنفس كلاهما لصلاة روحانية ...
دخل أحد الأخوة دير من أديرة الرهبان وهناك تعجب لعدم وجود كراسي بالكنيسـة ولما سأل أب من الآباء ابتســم وقال له: " إن الكراسي سوف تعوقنا عن السجود فلابد للجسد من أن يشترك في العبادة مع النفس والروح " .
+ كنيستنا الأرثوذكسية كنيسة نظام , وتقدم لله صلاة جماعية منظمة أي طقسية .(*)
+ وللطقس أهداف روحية سامية والذي يحيا الطقس بالروح يعشقه عشقاً ويحافظ عليه ويسلمه بكل جماله للآخرين فالكنيسة عروس تتذكر عريسها على الدوام ليس فقط بكلمات الصلاة لكن أيضاً بالحركات والتحركات فكل حركة تذكرنا بالمحبوب وترفع ذهننا لنتحد به ... أما النغمات فهي ترفع مشاعرنا وكل من ترك نفسه لروحانية الطقس بكلماته وحركاته ونغماته ارتفع لمشاهدة مجد المسيح .
عزيزي ... هذه هي كنيستنا العميقة في روحانياتها والمحبوبة لدى قلوبنا فتعال وتذوقها.
(*) الصلاة الجماعية الطقسية تسمى "ليتورجيا" ، لاحظ عزيزى انها صلاة جماعية أي كل الجماعة تشترك فى الصلاة فالفرد ليس متفرجا بل عضوا أساسيا لاكتمال الصلاة وتحول القرابين ...
صلاة رفــع بخـــــور
+ المسيـح أحب الهيـكل جداً وكان في اعتباره بيـت أبيه الذي ينبغي له الكرامة لذلك تأسس فينا الشعور اليقيني بسكنى الله في بيته وهذا أضفى على بيت الله رهبة وجلالاً فينبغي فيـه الوقوف بصمـت كامل وورع مطلق ... كما أضفى عليه قداسة ليس فقط بالنسبة للصلوات بل وحتى لأبوابه وأعتابه فتقبيل أبواب الكنيسة والسجود على أعتابها كلها ممارسات تعتبر ميراث روحي ثمين جداً ينم عن الإيمان بالحضرة الإلهية .
+ لقد أمر الرب موسى أن يقدم في العبادة اليومية بخوراً طيباً كما أمر أن لا يقدم بخوراً لأحد سـواه فجعله بذلك قدساً له لذلك صارت رائحته مقترنة بوجود الله وحلوله , وكأنما رائحة البخور تشير إلى رائحة المسيح الذكية ... "مادام الملك في مجلسه أفاح نارديني رائحته" (نش1: 12) ... وفي صلوات الأوشية السرية لبخور عشية يصلي الأب الكاهن : " أيها المسيح إلهنا العظيم المخوف ... طيب مسكوب هو اسمك القدوس وفي كل مكان يقدم بخور لاسمك القدوس صعيدة طاهرة " .
+ وإن كانت العين الساذجة لا ترى في البخور إلا مجرد دخان طيب الرائحة إلا أن أعين النفس المكشوفة تراه صاعداً حتى السماء محملاً بصلوات القديسين, ترفعه أيدي جماهير الملائكة المقدسين فيسرع بطلباته مع توبته لتصعد مشفوعة بصلواتهم .
+ تبدأ صلاة رفع البخور بصلاة الشكر وهكذا تعلمنا الكنيسة حياة الشكر الدائم ففي كل ظروف حياتنا نشكر على كل حال حتى في وقت الشدة والضيق والنفس منحنية بالصليـب ومعتصرة من ضغطـة الألم فإنها تشكر ... تشكر والدموع في عينيها ... تشكر بيقين الرجاء أنه بالحقيقة صانع خيرات, يعرف أن يخرج من الجافي حلاوة ومن الألم مجداً ورفعة وغنى يفوق كل وصف ... هذا هو صانع الخيرات إلهنا .
+ كما أن في صلاة الشكر نتذكر بنوتنا الغالية عند الآب إذ ونحن بشر خطاة أعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقـارب وكل قـوات العدو... افرح حبيبي فأنت ابن رئيس هذه الحياة وملك كل الدهور القادر على كل شيء ... ما هذه السعادة التي تغمرنا ونحن بعد في مستهل صلواتنا الجماعية الليتورجية (الطقسية) ؟ ! .
+ ثم تصلي الكنيسة الأواشي وهي طلبات ذات روحانية عالية , عندما نصليها نستشعر أن الكنيسة قلب كبير مملوء بالحب الصادق وشفيعة جبارة في المحتاجين , ذات دالّة عظيمة عند الله وليس هذا بعجيب إذ هي عروس المسيح المنتظرة ... هكذا عزيزي كلما ارتفعت حياتك الروحية كلما ملأ الحب قلبك وكلما كرست صلاتك من أجل المحتاجين .
+ على سبيل المثال لا توجد صلوات تصلى في حالة انتقال نفس إلي السماء أجمل وأروع من أوشية الراقدين إذ تتوسل الكنيسة وتتشفع في المنتقلين على فم الأب الكاهن الذي هو ( أبرسفيتيروس ) أي شفيع قائلة : " وإن كان قد لحقهم توان أو تفريط كبشر وقد لبسوا جسداً وسكنوا في هذا العالم فأنت كصالح ومحب البشر تفضل يا رب نيحهم واغفر لهم فإنه ليس أحد طاهراً من دنس ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض".
+ وفي ختام الأوشية نعود إلى أنفسنا ونذكر أن كل منا لسوف يواجه هذه الساعة المخوفة فنصلي: "أما نحن كلنا فهِب لنا كمالاً مسيحياً يرضيك أمامك" ويصرخ الجميع بصوت واحد طالبين الرحمة: "يا رب ارحم" .
عزيزي ... إن الكمال المسيحي الذي يرضي الله عالي الشأن جداً لأننا صرنا أبناء الله وروح الله ساكن فينا لذا نتوسل إلى الله أن يعطينا إياه لأنه عطية منه .
+ تصلي الكنيسة أوشية الراقدين في رفع بخور عشية إذ في نهاية كل يوم تنبه عقولنا وقلوبنا أن نفكر في أعماقنا ... هل نحن في حالة استعداد للرحيل؟ ... أما في رفع بخور باكر تصلي الكنيسة أوشية المرضى لأننا طالما نحن في نهار هذا العمر ينبغي أن نلتجأ إلى الكنيسة التي هي مستشفى الروح والنفس والجسد حيث المسيح الطبيب الأعظم .
+ تحدثنا عن جمال روحانية صلوات رفع بخور ويعوزنا الوقت لو تكلمنا عن كل أوشية وطلبة ففي تلك الأواشي تبدو الكنيسة مملوءة حباً لجميع الناس ولا تنسى أحداً ... المرضى والراقدين والمسافرين وكل الذين لهم تعب وتقدمات كثيرة أو قليلة بل وحتى الذين يريدون أن يقدموا وليس لهم تذكرهم وتطلب من أجلهم أن يعطيهم الرب الباقيات عوض الفانيات, الأبديات عوض الزمنيات .
+ فأترك لك عزيزي المجال لتتأمل بعمق صلوات الأواشي ولتتذوق عذوبة محبة الكنيسة .
وفي نهاية الأواشي نطلب لأنفسنا وللخليقة كلها رحمة من إلهنا الرحوم فيقف الأب الكاهن وفي يده الصليب المقدس - علم الحب الإلهي وأساس دالتنا – وهو يقول باللحن التوسلي الرائع: "اللهم ارحمنا, قرر لنا رحمة, تراءف علينا ..." ويردد الشعب كل مرة: "آمين" ... هنا يصلي أبونا وهو يدور بوجهه نحو اتجاهات الأرض الأربعة ليطلب رحمة لكل أحد في الخليقـة كلها لأنه إن كان ليس أحد طاهـر من دنـس ولو كانـت حياتـه يوماً واحداً على الأرض فمن يستطيـع أن يخلص بدون رحمة إلهنا ؟ ! ! .
+ ثم يصلي أبونا أوشيـة الإنجيـل وهي طلبـة من أجل أن نكون مستحقيـن لسماع الإنجيل المقدس ولنسمـع ونعمل به فإنه دستـور حياتنـا وسر وحدتنا فهو موحد فكرنا وسلوكنا ليكون حسب فكر وسلوك المسيـح نفسه .
+ وفي أوشيـة الإنجيل نذكر كلام السيـد المسيـح له المجد: "إن أنبيـاء وأبـراراً كثيريـن اشتـهوا أن يروا ما أنتـم تـرون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا ... فطوبى لآذانكم لأنها تسمع ..." ... بالحقيقة أبونا إبراهيم اشتهى أن يرى يوم الرب فرأى الرمز وتـهلل ... اشتـهى داود أن يسـكن في بيـت الرب مدى الأيـام أما نحن أنفسنـا بيـت الرب ... بالحقيقـة أنبيـاء وأبـرار كثيريـن اشتـهوا ولكنهم "لم ينالوا المواعيد بل من بعيد صدقوها وحيوها وأقروا أنهم غرباء ونزلاء" فطوبى لنا بسبب النعمـة التي نحن فيها نقيـم لذلك فلنستحق أن نسمع ونعمل بالإنجيل المقدس ...هنا يجيب الشعب: "يا رب ارحم" ... ارحمنا من آذاننا الثقيلة عن السمع ومن عيوننا الضعيفة عن الرؤية وبرحمتك اعطي القوة لنعمل بأناجيلك المقدسة ...
تقدمـــة الحمل
+ بعد صلاة المزامير يختار أبونا الحمل ويده على مثال الصليب كما فعل أبونا يعقوب عندما بارك ابني يوسف لأن مسيحنا سيق مثل خروف حتى إلي الصليب .
وأثناء اختيار الحمل يصرخ الشعب: "يا رب ارحم"41 مرة ... بهذه الكلمة نتذكر الـ39 جلدة وإكليل الشوك والحربة, أي آلام المسيح فنتذكر أن خطايانا هي التي سببت لفادينا الحنون كل هذه الآلام.
+ وبهذه الكلمة كل منا يقدم توبة عن خطاياه ، ومع كل كلمة : "يا رب ارحم" يلقي كل منا بخطية من خطاياه على الحمل الذي يحمل خطايانا وبذلك يكون صليب المسيح الذي كان في ذاك الزمان ها هو اليوم يستعلن لأجلي ليمحو آثامي فيا لفرحتي ! ! .
يمسح أبونا الحمل الذي اختير بالماء وهو يتذكر اتضاع المسيح العجيب الذي أحنى رأسه تحت يد المعمدان ليكمل لنا كل بر ثم يلف الحمل باللفافة ويضع عليها الصليب مائلاً ويرفعها فوق رأسه وهو يعطي المجد لله جهراً : "مجداً وإكراماً, إكراماً ومجداً للثالوث القدوس ..." هنا نعطي المجد للآب الذي أحبنا وبذل ابنه من أجلنا ... نمجد الابـن الذي أطاع الآب حتى الموت ... موت الصليب لخلاصنا ، ونمجد الروح القدس الذي يكمل لنا هذا السر العظيم ويأخذ من صليب المسيح ليعطينا خلاصاً ... نمجده ونزيده علواً فلا يكفينا أن نقول: "مجداً وإكراما"ً ... بل نعيدها "إكراماً ومجداً".
+ وفي أيام الآحاد والأعياد يرد الشعب متهللين: "هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ونبتهج فيه ..." بالحقيقة يوم القداس هو عيدنا ...هو اليوم الذي صنعه الرب لنا, لا يحسب من أيام الأرض الحزينة بل هو بمثابة رحلة روحية إلى السماء حيث نلتقي بالرب ونتحد به اتحاداً سرياً عجيبا ،ً ثم نعود مشتاقين لحياة الملكوت هذه فننشدها كل أيام غربتنا حتى اليوم الذي فيه نلقاه بلا مانع ولا عائق .
+ ثم يصلي أبونا الرشومات الأولى على الخبز والخمر وهو يمجد الآب والابن والروح القدس .
+ ثم يأخذ الشماس فرصة ليعطي هو أيضاً المجد للثالوث القدوس جهراً : " واحد هو الآب القدوس ..." وسبـب تمجيـدنا هو: "لأن رحمته قد ثبتت علينا وحق الرب يدوم إلي الأبد" ... عجيب حقاً هذا الأمر فالرحمة والحق تلاقيا على عود الصليب الذي هو مستعلن لنا اليوم في القداس الإلهي .
+ هنا يصرخ الجميع معطياً المجد للثالوث القدوس: " ذوكصابتري ..." أي مجداً للآب والابن والروح القدس ... الجميع يمجد الله لأجل النعمة العظيمة التي نحن فيها مقيمون .
ليتك عزيزي تشترك مع الكنيسة في هذا التمجيد اللائق وهذه الخدمة السماوية .
+ إن طقس صلوات القداس الإلهي عميق جداً في روحانياته وليس كما يزعم البعض بأن الطقس شيء والروحانيات شيء آخر بل الذين دخلوا إلى العمق يعرفون جيداً عمق روحانية الطقس الذي يجعل من الأرض سماء فالكلمات بترتيبها وأنغامها والتحركات كلها مرتبة بدقة روحية عجيبة لترفع الإنسان بالروح ليتمتع بالإلهيات .
+ بعد تقدمة الحمل يبدأ قداس الموعوظين ومع كل بداية نجد صلاة الشكر في أفواهنا , هكذا تعلمنا الكنيسة أن للشكر قيمة كبيرة جداً فالله دائماً أبداً يستحق كل الشكر أما نحن فمهما عملنا عاجزين عن القيام بحمده كما يستحق حبه .
+ وهنا في صلاة الشكر هذه يضيف الشماس صلاة : "وأن يجعلنا مستحقين أن ننال من شركة أسراره المقدسة المباركة لمغفرة خطايانا" ... فنحن منذ بدء القداس الإلهي وعيوننا وقلوبنا وأفكارنا تتجه نحو هذا الهدف العظيم ... سر (الإفخارستيا).
+ فإننا قبل أن نأتي إلى الكنيسة ونحن نتوق لهذه اللحظات المقدسة ... لحظات الاتحاد السرائري بالله ... لحظات الزيجة السرية بالمسيح يسوع ... لحظات فيها يستر خطايانا بدمه ولا يعود يذكرها لنا فهدف الكنيسـة من القداس بكل طقوسه هو سر (الإفخارستيا) الذي يعمل لحساب الملكـوت والدهـر الآتي ..."مــن أجل هذا هــم أمام عرش الله ويخدمونــه نـــهاراً وليلا فى هيكله" (رؤ7: 15) ... من أجل أنهم غسلوا ثيابهم وبيضوها في دم المسيح.
+ بعد صلاة الشكر يغطي أبونا والشماس المذبح بـ (الأبروسفيرين) فهذا يذكرنا بعريسنا يسوع الذي مات ودفن في القبر ليدفن آثامنا فلا يعود يذكرها لنا ، كما يضع أبونا لفافة مثلثة الشكل تشير إلي الختم الذي ختم به قبر المسيح ، ثم يسجد الأب الكاهن والشمامسة إزاء هذا الحب المتناهي للرب يسوع من نحونا .
+ يخرج أبونا خارج الهيكل ويصلي للشعب تحليل الخدام لأن الشعب يشترك مع الشمامسة والأب الكاهن في خدمة القداس الإلهي لذلك فالجميع يحتاجون للحِلّ لبدء الخدمة فلا يليق بنا أن نحضر الكنيسة بعد هذا الحِلّ إذ كيف نخدم خدمة القداس الإلهي بدون أن نحالل من فم الثالوث الأقدس ومن فم الكنيسة كلها منذ أن بدأت إلى يومنا هذا ... أدعوك عزيزي أن تقرأ هذا الحِل وتتأمل القديسين المذكورين فيه وترتيبهم فليس هناك كلمة بدون معنى وليس هناك ترتيب إلا ومقصود.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
إلى اللقاء فى الجزء الثانى ...
القداس الإلهي حفل سماوي
أدعوك عزيزي للتمتع برهبة وحلاوة شركة القداس الإلهي فإن لحضور القداس الإلهي رهبة عذبة لكل مسيحي إذ فيه نلتقي بالمسيح الذي هو أمس واليوم وإلى الأبد ... نلتقي بالمسيح الذي هو فوق الزمان إذ نصنع ذكرى الماضي والآتي ونحن لا نزال في الحاضر, وهذه الذكرى ليست تذكار فكري بل روحي يفيـد إعادة حدوث الشيء وإحضار كل الأحداث معاً وهذه تسمى باليونانية (أنامنسيـس) كما يصلي أبونا لله الآب: "ففيما نحن أيضاً نصنـع ذكرى(أنامنسيـس) آلامه المقدسة وقيامته من الأموات وصعوده إلى السماوات... وظهـوره الثاني الآتـي من السمـاوات المخـوف والمملـوء مجـداً" ... ففي كل قـداس نواجـه الدينونة المرهوبة والمجيء الثانـي المخوف والمحبـوب في آن واحد ... أي رهبة تكون هذه ؟ ! .
+ أن القداس الإلهي هو لقاء حب على أعلى مستوى عرفته البشرية إذ فيه العريس الإلهي يحب العروس حتى الموت ويقدم الآن جسده ودمه أي حياته لعروسه على المذبح.
كما أن فيه أيضاً نجد العروس السعيدة وهي متمتعة بحب عريسها وسكرانة من شدة الحب الإلهي تقدم للعريس أسمى وأرق مشاعر حبها فتخرج كلمات وصلوات القداس نغمات حب عذب يرتفع بها الإنسان ليحيا نعيم الفردوس الأول وعربون جمال الملكوت وهو مازال بالجسد ... حيث لا مكان لأي آلام جسديـة أو ضيقـات نفسيـة أو أوجاع خطية.
وبعدما ينتهي القداس نتساءل أين كنا؟ في السماء أم على الأرض ؟ أم أن رب السماء جاء إلينا بكل بركات تجسده ونعمة فداءه ورهبة دينونته ؟ ... إنها رفعة روحية ليس لها وصف أرضي ...
عزيزي ... أين أنت من كل هذه المتعة ؟ فتعال وادعو الآخرين ...
القداس الإلهي يؤهلنا للاتحاد بالرب
+ الكنيسة تدعو الجميع للاتحاد بالرب والاشتراك في جسده ودمه الأقدسين فالكنيسة لا تريد أن يكون هناك متناولين ومتفرجين بل الجميع يتناولون ولا تستثني أحداً إلا الخارجيـن عن الإيمان أو الذين في حالـة خصـام عنيد أو تحت قانون توبة يمنعهم من التناول ... أما كل من يحرم نفسه من المذبح بإرادته الخاصة هو كمثل غصن الكرمة الجاف الذي لا تصل إليه عصارتها فيئول إلى القطع ثم يلقونه في النار.
+ فالكنيسة تدعو الخطاة – وكلنا خطاة – للاتحاد بالرب المذبوح على المذبح لأجلنا ... "الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم" (يو6: 53) ... وهنا يأتي دور القداس الإلهي إذ يعد الخطاة في طريق التوبة والانسحاق والتقديـس لكي نتناول نحن الخطاة بالاستحقاق المقبول أمامه ألا وهـوانسحاق القلب ... "إلى هذا أنظـر, إلى المسكيـن بالروح والمرتعـد من كلامـي" (أش2: 66).
+ فمن خلال صلوات القداس المطولة بمراحلها المختلفة وألحانها ذات النغمات المعزية تنسحق نفوسنا وتتقدس بفعل روح الله القدوس فكلنا يعلم أن الصلاة تقدس الأشياء فالكنيسة تصلي على الماء والزيت والبيوت لتقدسها وبالأحرى نحن أنفسنا نتقدس بالصلاة إذ بها نقدم توبة ودموع وانسحاق وبها يتحنن الرب على المساكين بالروح وينزل ليشبعهم به فيتقدسون .
+ عزيزي ... جيد لي ولك أن يدخل كل منا الكنيسة وهو حاسباً نفسه آخر الكل وأكثر المحتاجين إلى الشفاء وأن جميع المؤمنين قد اجتمعوا معي اليوم ليصلوا عني ويسندوا جهادي بتسبيحاتهم وتضرعاتهم لأني أكثر الأعضاء مرضاً في هذا الجسد الرائع .
+ إن صلوات القداس تقدس الناس والمكان لذلك ليس عبثاً أن تطيل الكنيسة صلواتها وأنغامها حتى تهيئ لي ولك الفرصة ليأخذ كل منا نصيبه من التقديس .
لذلك ندعوك أيها الحبيب أن تجتهد أنت وكل من لك وتبكر إلى القداس لتأخذ نصيبك الكامل من التقديس فتؤهل للاتحاد بالرب وتكون ذبيحة المسيح عاملة فيك .
عبادتنا في القداس الإلهي
+ تأخذنا الكنيسة عبر صلوات القداس بمراحله المختلفة في رحلة روحية إلى السماء، والفرح الذي ينتج عن هذه الرحلة السعيدة يجعلنا نشتهي أن تكون حياتنا كلها قداس واحد مستمر على غرار بطرس الرسول وهو على جبل طابور حينما قال: "جيد يا رب أن نكون ههنا" ... ولكن لابد لنا الآن أن ننزل من جبل التجلي لنخبر بفضائل الذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب ونقول مع المرنم: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب".
+ والكنيسة تعد نفوسنا للاتحاد الزيجي السري بيننا وبين عريسنا الحبيب يسوع بصلوات كثيرة تبدأ من عشية اليوم بتسبحة عشية ثم رفع بخور عشية وتسبحة نصف الليل ثم رفع بخور باكر وتقدمة الحمل وقداس الموعوظين ثم قداس المؤمنين الذي ينتهي بسر الأسرار الذي به تتم زيجتنا السرية بيسوعنا الحبيب .
+ بادئ ذي بدء أقول لك أيها الحبيب أننا نعبد إلهنا بكل كياننا فالجسد يقف بوقار شديد في خشوع كمن هو أمام لهيب نار والنفس تنضبط بكل أفكارها ومشاعرها نحوعريسها والروح تنقاد بروح الله القدوس لتدفع الجسد والنفس كلاهما لصلاة روحانية ...
دخل أحد الأخوة دير من أديرة الرهبان وهناك تعجب لعدم وجود كراسي بالكنيسـة ولما سأل أب من الآباء ابتســم وقال له: " إن الكراسي سوف تعوقنا عن السجود فلابد للجسد من أن يشترك في العبادة مع النفس والروح " .
+ كنيستنا الأرثوذكسية كنيسة نظام , وتقدم لله صلاة جماعية منظمة أي طقسية .(*)
+ وللطقس أهداف روحية سامية والذي يحيا الطقس بالروح يعشقه عشقاً ويحافظ عليه ويسلمه بكل جماله للآخرين فالكنيسة عروس تتذكر عريسها على الدوام ليس فقط بكلمات الصلاة لكن أيضاً بالحركات والتحركات فكل حركة تذكرنا بالمحبوب وترفع ذهننا لنتحد به ... أما النغمات فهي ترفع مشاعرنا وكل من ترك نفسه لروحانية الطقس بكلماته وحركاته ونغماته ارتفع لمشاهدة مجد المسيح .
عزيزي ... هذه هي كنيستنا العميقة في روحانياتها والمحبوبة لدى قلوبنا فتعال وتذوقها.
(*) الصلاة الجماعية الطقسية تسمى "ليتورجيا" ، لاحظ عزيزى انها صلاة جماعية أي كل الجماعة تشترك فى الصلاة فالفرد ليس متفرجا بل عضوا أساسيا لاكتمال الصلاة وتحول القرابين ...
صلاة رفــع بخـــــور
+ المسيـح أحب الهيـكل جداً وكان في اعتباره بيـت أبيه الذي ينبغي له الكرامة لذلك تأسس فينا الشعور اليقيني بسكنى الله في بيته وهذا أضفى على بيت الله رهبة وجلالاً فينبغي فيـه الوقوف بصمـت كامل وورع مطلق ... كما أضفى عليه قداسة ليس فقط بالنسبة للصلوات بل وحتى لأبوابه وأعتابه فتقبيل أبواب الكنيسة والسجود على أعتابها كلها ممارسات تعتبر ميراث روحي ثمين جداً ينم عن الإيمان بالحضرة الإلهية .
+ لقد أمر الرب موسى أن يقدم في العبادة اليومية بخوراً طيباً كما أمر أن لا يقدم بخوراً لأحد سـواه فجعله بذلك قدساً له لذلك صارت رائحته مقترنة بوجود الله وحلوله , وكأنما رائحة البخور تشير إلى رائحة المسيح الذكية ... "مادام الملك في مجلسه أفاح نارديني رائحته" (نش1: 12) ... وفي صلوات الأوشية السرية لبخور عشية يصلي الأب الكاهن : " أيها المسيح إلهنا العظيم المخوف ... طيب مسكوب هو اسمك القدوس وفي كل مكان يقدم بخور لاسمك القدوس صعيدة طاهرة " .
+ وإن كانت العين الساذجة لا ترى في البخور إلا مجرد دخان طيب الرائحة إلا أن أعين النفس المكشوفة تراه صاعداً حتى السماء محملاً بصلوات القديسين, ترفعه أيدي جماهير الملائكة المقدسين فيسرع بطلباته مع توبته لتصعد مشفوعة بصلواتهم .
+ تبدأ صلاة رفع البخور بصلاة الشكر وهكذا تعلمنا الكنيسة حياة الشكر الدائم ففي كل ظروف حياتنا نشكر على كل حال حتى في وقت الشدة والضيق والنفس منحنية بالصليـب ومعتصرة من ضغطـة الألم فإنها تشكر ... تشكر والدموع في عينيها ... تشكر بيقين الرجاء أنه بالحقيقة صانع خيرات, يعرف أن يخرج من الجافي حلاوة ومن الألم مجداً ورفعة وغنى يفوق كل وصف ... هذا هو صانع الخيرات إلهنا .
+ كما أن في صلاة الشكر نتذكر بنوتنا الغالية عند الآب إذ ونحن بشر خطاة أعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقـارب وكل قـوات العدو... افرح حبيبي فأنت ابن رئيس هذه الحياة وملك كل الدهور القادر على كل شيء ... ما هذه السعادة التي تغمرنا ونحن بعد في مستهل صلواتنا الجماعية الليتورجية (الطقسية) ؟ ! .
+ ثم تصلي الكنيسة الأواشي وهي طلبات ذات روحانية عالية , عندما نصليها نستشعر أن الكنيسة قلب كبير مملوء بالحب الصادق وشفيعة جبارة في المحتاجين , ذات دالّة عظيمة عند الله وليس هذا بعجيب إذ هي عروس المسيح المنتظرة ... هكذا عزيزي كلما ارتفعت حياتك الروحية كلما ملأ الحب قلبك وكلما كرست صلاتك من أجل المحتاجين .
+ على سبيل المثال لا توجد صلوات تصلى في حالة انتقال نفس إلي السماء أجمل وأروع من أوشية الراقدين إذ تتوسل الكنيسة وتتشفع في المنتقلين على فم الأب الكاهن الذي هو ( أبرسفيتيروس ) أي شفيع قائلة : " وإن كان قد لحقهم توان أو تفريط كبشر وقد لبسوا جسداً وسكنوا في هذا العالم فأنت كصالح ومحب البشر تفضل يا رب نيحهم واغفر لهم فإنه ليس أحد طاهراً من دنس ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض".
+ وفي ختام الأوشية نعود إلى أنفسنا ونذكر أن كل منا لسوف يواجه هذه الساعة المخوفة فنصلي: "أما نحن كلنا فهِب لنا كمالاً مسيحياً يرضيك أمامك" ويصرخ الجميع بصوت واحد طالبين الرحمة: "يا رب ارحم" .
عزيزي ... إن الكمال المسيحي الذي يرضي الله عالي الشأن جداً لأننا صرنا أبناء الله وروح الله ساكن فينا لذا نتوسل إلى الله أن يعطينا إياه لأنه عطية منه .
+ تصلي الكنيسة أوشية الراقدين في رفع بخور عشية إذ في نهاية كل يوم تنبه عقولنا وقلوبنا أن نفكر في أعماقنا ... هل نحن في حالة استعداد للرحيل؟ ... أما في رفع بخور باكر تصلي الكنيسة أوشية المرضى لأننا طالما نحن في نهار هذا العمر ينبغي أن نلتجأ إلى الكنيسة التي هي مستشفى الروح والنفس والجسد حيث المسيح الطبيب الأعظم .
+ تحدثنا عن جمال روحانية صلوات رفع بخور ويعوزنا الوقت لو تكلمنا عن كل أوشية وطلبة ففي تلك الأواشي تبدو الكنيسة مملوءة حباً لجميع الناس ولا تنسى أحداً ... المرضى والراقدين والمسافرين وكل الذين لهم تعب وتقدمات كثيرة أو قليلة بل وحتى الذين يريدون أن يقدموا وليس لهم تذكرهم وتطلب من أجلهم أن يعطيهم الرب الباقيات عوض الفانيات, الأبديات عوض الزمنيات .
+ فأترك لك عزيزي المجال لتتأمل بعمق صلوات الأواشي ولتتذوق عذوبة محبة الكنيسة .
وفي نهاية الأواشي نطلب لأنفسنا وللخليقة كلها رحمة من إلهنا الرحوم فيقف الأب الكاهن وفي يده الصليب المقدس - علم الحب الإلهي وأساس دالتنا – وهو يقول باللحن التوسلي الرائع: "اللهم ارحمنا, قرر لنا رحمة, تراءف علينا ..." ويردد الشعب كل مرة: "آمين" ... هنا يصلي أبونا وهو يدور بوجهه نحو اتجاهات الأرض الأربعة ليطلب رحمة لكل أحد في الخليقـة كلها لأنه إن كان ليس أحد طاهـر من دنـس ولو كانـت حياتـه يوماً واحداً على الأرض فمن يستطيـع أن يخلص بدون رحمة إلهنا ؟ ! ! .
+ ثم يصلي أبونا أوشيـة الإنجيـل وهي طلبـة من أجل أن نكون مستحقيـن لسماع الإنجيل المقدس ولنسمـع ونعمل به فإنه دستـور حياتنـا وسر وحدتنا فهو موحد فكرنا وسلوكنا ليكون حسب فكر وسلوك المسيـح نفسه .
+ وفي أوشيـة الإنجيل نذكر كلام السيـد المسيـح له المجد: "إن أنبيـاء وأبـراراً كثيريـن اشتـهوا أن يروا ما أنتـم تـرون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا ... فطوبى لآذانكم لأنها تسمع ..." ... بالحقيقة أبونا إبراهيم اشتهى أن يرى يوم الرب فرأى الرمز وتـهلل ... اشتـهى داود أن يسـكن في بيـت الرب مدى الأيـام أما نحن أنفسنـا بيـت الرب ... بالحقيقـة أنبيـاء وأبـرار كثيريـن اشتـهوا ولكنهم "لم ينالوا المواعيد بل من بعيد صدقوها وحيوها وأقروا أنهم غرباء ونزلاء" فطوبى لنا بسبب النعمـة التي نحن فيها نقيـم لذلك فلنستحق أن نسمع ونعمل بالإنجيل المقدس ...هنا يجيب الشعب: "يا رب ارحم" ... ارحمنا من آذاننا الثقيلة عن السمع ومن عيوننا الضعيفة عن الرؤية وبرحمتك اعطي القوة لنعمل بأناجيلك المقدسة ...
تقدمـــة الحمل
+ بعد صلاة المزامير يختار أبونا الحمل ويده على مثال الصليب كما فعل أبونا يعقوب عندما بارك ابني يوسف لأن مسيحنا سيق مثل خروف حتى إلي الصليب .
وأثناء اختيار الحمل يصرخ الشعب: "يا رب ارحم"41 مرة ... بهذه الكلمة نتذكر الـ39 جلدة وإكليل الشوك والحربة, أي آلام المسيح فنتذكر أن خطايانا هي التي سببت لفادينا الحنون كل هذه الآلام.
+ وبهذه الكلمة كل منا يقدم توبة عن خطاياه ، ومع كل كلمة : "يا رب ارحم" يلقي كل منا بخطية من خطاياه على الحمل الذي يحمل خطايانا وبذلك يكون صليب المسيح الذي كان في ذاك الزمان ها هو اليوم يستعلن لأجلي ليمحو آثامي فيا لفرحتي ! ! .
يمسح أبونا الحمل الذي اختير بالماء وهو يتذكر اتضاع المسيح العجيب الذي أحنى رأسه تحت يد المعمدان ليكمل لنا كل بر ثم يلف الحمل باللفافة ويضع عليها الصليب مائلاً ويرفعها فوق رأسه وهو يعطي المجد لله جهراً : "مجداً وإكراماً, إكراماً ومجداً للثالوث القدوس ..." هنا نعطي المجد للآب الذي أحبنا وبذل ابنه من أجلنا ... نمجد الابـن الذي أطاع الآب حتى الموت ... موت الصليب لخلاصنا ، ونمجد الروح القدس الذي يكمل لنا هذا السر العظيم ويأخذ من صليب المسيح ليعطينا خلاصاً ... نمجده ونزيده علواً فلا يكفينا أن نقول: "مجداً وإكراما"ً ... بل نعيدها "إكراماً ومجداً".
+ وفي أيام الآحاد والأعياد يرد الشعب متهللين: "هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ونبتهج فيه ..." بالحقيقة يوم القداس هو عيدنا ...هو اليوم الذي صنعه الرب لنا, لا يحسب من أيام الأرض الحزينة بل هو بمثابة رحلة روحية إلى السماء حيث نلتقي بالرب ونتحد به اتحاداً سرياً عجيبا ،ً ثم نعود مشتاقين لحياة الملكوت هذه فننشدها كل أيام غربتنا حتى اليوم الذي فيه نلقاه بلا مانع ولا عائق .
+ ثم يصلي أبونا الرشومات الأولى على الخبز والخمر وهو يمجد الآب والابن والروح القدس .
+ ثم يأخذ الشماس فرصة ليعطي هو أيضاً المجد للثالوث القدوس جهراً : " واحد هو الآب القدوس ..." وسبـب تمجيـدنا هو: "لأن رحمته قد ثبتت علينا وحق الرب يدوم إلي الأبد" ... عجيب حقاً هذا الأمر فالرحمة والحق تلاقيا على عود الصليب الذي هو مستعلن لنا اليوم في القداس الإلهي .
+ هنا يصرخ الجميع معطياً المجد للثالوث القدوس: " ذوكصابتري ..." أي مجداً للآب والابن والروح القدس ... الجميع يمجد الله لأجل النعمة العظيمة التي نحن فيها مقيمون .
ليتك عزيزي تشترك مع الكنيسة في هذا التمجيد اللائق وهذه الخدمة السماوية .
+ إن طقس صلوات القداس الإلهي عميق جداً في روحانياته وليس كما يزعم البعض بأن الطقس شيء والروحانيات شيء آخر بل الذين دخلوا إلى العمق يعرفون جيداً عمق روحانية الطقس الذي يجعل من الأرض سماء فالكلمات بترتيبها وأنغامها والتحركات كلها مرتبة بدقة روحية عجيبة لترفع الإنسان بالروح ليتمتع بالإلهيات .
+ بعد تقدمة الحمل يبدأ قداس الموعوظين ومع كل بداية نجد صلاة الشكر في أفواهنا , هكذا تعلمنا الكنيسة أن للشكر قيمة كبيرة جداً فالله دائماً أبداً يستحق كل الشكر أما نحن فمهما عملنا عاجزين عن القيام بحمده كما يستحق حبه .
+ وهنا في صلاة الشكر هذه يضيف الشماس صلاة : "وأن يجعلنا مستحقين أن ننال من شركة أسراره المقدسة المباركة لمغفرة خطايانا" ... فنحن منذ بدء القداس الإلهي وعيوننا وقلوبنا وأفكارنا تتجه نحو هذا الهدف العظيم ... سر (الإفخارستيا).
+ فإننا قبل أن نأتي إلى الكنيسة ونحن نتوق لهذه اللحظات المقدسة ... لحظات الاتحاد السرائري بالله ... لحظات الزيجة السرية بالمسيح يسوع ... لحظات فيها يستر خطايانا بدمه ولا يعود يذكرها لنا فهدف الكنيسـة من القداس بكل طقوسه هو سر (الإفخارستيا) الذي يعمل لحساب الملكـوت والدهـر الآتي ..."مــن أجل هذا هــم أمام عرش الله ويخدمونــه نـــهاراً وليلا فى هيكله" (رؤ7: 15) ... من أجل أنهم غسلوا ثيابهم وبيضوها في دم المسيح.
+ بعد صلاة الشكر يغطي أبونا والشماس المذبح بـ (الأبروسفيرين) فهذا يذكرنا بعريسنا يسوع الذي مات ودفن في القبر ليدفن آثامنا فلا يعود يذكرها لنا ، كما يضع أبونا لفافة مثلثة الشكل تشير إلي الختم الذي ختم به قبر المسيح ، ثم يسجد الأب الكاهن والشمامسة إزاء هذا الحب المتناهي للرب يسوع من نحونا .
+ يخرج أبونا خارج الهيكل ويصلي للشعب تحليل الخدام لأن الشعب يشترك مع الشمامسة والأب الكاهن في خدمة القداس الإلهي لذلك فالجميع يحتاجون للحِلّ لبدء الخدمة فلا يليق بنا أن نحضر الكنيسة بعد هذا الحِلّ إذ كيف نخدم خدمة القداس الإلهي بدون أن نحالل من فم الثالوث الأقدس ومن فم الكنيسة كلها منذ أن بدأت إلى يومنا هذا ... أدعوك عزيزي أن تقرأ هذا الحِل وتتأمل القديسين المذكورين فيه وترتيبهم فليس هناك كلمة بدون معنى وليس هناك ترتيب إلا ومقصود.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
إلى اللقاء فى الجزء الثانى ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.