تفسير رسالة بطرس الرسول الأولى اصحاح 2 جـ3
"وأما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكي، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب" [9] .
إذ تأسسنا على حجر الزاوية وارتبطنا به فإننا بهذا نكون:
"جنس مختار": هذه العبارة ينطق بها رسول الختان ليصحح مفاهيمهم، إذ يحسبون أنفسهم أنهم دون سائر البشر "جنس مختار"، وأن الاختيار من قِبَل الله واقع بسبب جنسيتهم كيهود. لكن مجيء الرب متجسدًا وفي نسبه أسلاف أمميات، ودعوة الرب ورُسله للأمم كشفت حب الله للبشرية كلها، وأن الاختيار هنا لا يدفع إلى الكبرياء والتعصب بل إلى حمل المسئولية.
"كهنوت ملوكي": وقد اقتبس هذا النص من سفر الخروج (١٩: ١)، ومع هذا فنحن نعلم أنه في العهد القديم لم يكن الكل كهنة وملوكًا بل كانوا مختارين، هكذا فإن القول "كهنوت ملوكي" تعني أنه قد صار بيننا كهنة مفرزون لخدمة ملك الملوك.
"أمة مقدسة شعب اقتناء"، عملها الكرازة والشهادة للذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب، بحديث عملي، بسلوكنا كأولاد للنور.
فما نخبر به هو "فضائل الذي دعانا"... أي نعكس جمال المسيح الساطع علينا. فيرى الناس نوره الإلهي في داخل قلوبنا، ويدركونه خلال تصرفاتنا وسلوكنا في الحياة. عندئذ يتحقق قول المرتل "من صهيون (الكنيسة) كمال جمال الله أشرق" (مز ٥٠: ٢).
في هذا كله ليس لنا فضل بل للذي رحمنا، إذ يكمل الرسول قائلاً:
"والذين قبلاً لم تكونوا شعبًا، وأما الآن فأنتم شعب الله، الذين كنتم غير مرحومين وأما الآن فمرحومون" [10].
لقد كنا في ظلمة فدعانا إلى نوره العجيب... ماذا نطلب بعد؟ لقد اختارنا شعبًا لله كما تنبأ هوشع بذلك (١: ٦، ٩، ٢: ٢٣)!
ثالثًا: الارتباط بالسلوك العملي
إذ أنهى حديثه عن "تأسيسنا على الرب يسوع" بأن نخبر بفضائله، بدأ يوضح لنا أهمية السيرة الحسنة قائلاً:
"أيها الأحباء أطلب إليكم كغرباء ونزلاء أن تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس" [11].
يدعوهم "أيها الأحباء" لكي يستميلهم إلى الإنصات والتنفيذ. وقد كان هذا النداء محببًا إلى نفوس التلاميذ والرسل إذ تشربوه من ربنا يسوع المحب، وسمعوا صوت الآب تجاه الابن يقول: "ابني الحبيب" عند العماد والتجلي، لهذا شغفوا به.
يدعوهم أيضًا "غرباء ونزلاء"، أي غرباء وضيوف، فقد سبق أن أوصاهم أن يتركوا شهوات الجسد بكونهم أبناء لله يعافون هذه الأمور، وهنا يقدم باعثًا ثانيًا هو إحساسهم بغربتهم وعدم ارتباطهم بالأرض. وقد أخذ الآباء الرهبان هذا الباعث كتدريب لكل طالب الرهبنة، إذ كانوا يدربونه على زيارة المدافن يوميًا لساعات طويلة حتى يعرف حقيقة هذه الحياة.
عندما سقط ثيؤدور المتنسك صديق القديس يوحنا الذهبي الفم في حب السيدة Hermoine الشابة الجميلة الصورة كتب إليه ذهبي الفم يطالبه بالعودة إلى حياته النسكية الأولى مسجلاً له الكثير عن مراحم الله ومحبته، مقدمًا له من بين التداريب الهامة للانتصار على حرب الشهوة أن يزور المدافن ويتأمل التراب والرماد والدود، متذكرًا نهاية الأشرار وسعادة الأبرار.
ونلاحظ أن الرسول لم يقل "أن تمتنعوا عن الخطايا" بل طلب الامتناع عن الجذر العميق لها، أي "الشهوات الجسدية"، لأنه كما يقول الأب دوروثيؤس: [الخطايا هي تنفيذ هذه الشهوات عمليًا، بمعنى أن الإنسان ينفذ بجسده الأعمال التي تثيرها فيه شهواته.]
هذه الشهوات يلزمنا أن نقلع عنها حتى وإن لم تخرج إلى حيز التنفيذ لأنها "تحارب النفس". هذه الحرب الداخلية بين شهوات الجسد وشهوات الروح قائمة على الدوام مادمنا في الجسد، لكن ليس لها سلطان علينا أو حق السيادة والملكية على إرادتنا مادمنا لا نذعن لها. إذن لنمتنع عن شهوات الجسد بعدم قبولنا لها أو إرضائها، بهذا تكون حربها بلا قوة التنفيذ أو السيطرة، إنما تصبح أعضاؤنا آلات برّ لله شاهدة له أمام الأمم، إذ يرون الثمار المنظورة كانعكاس لنقاء داخلي وغلبة لشهوات الروح، وطاعة الجسد للروح وخضوعه لها.
وقد شبه الأب Mathetes من رجال القرن الثاني علاقة النفس بالجسد المحارب لها كعلاقة المسيحيين الحقيقيين بالعالم الوثني الشرير الذي كان مضطهدًا للكنيسة.
- النفس منتشرة خلال كل أعضاء الجسد، والمسيحيون منتشرون خلال كل مدن العالم.
تسكن النفس في الجسد لكنها ليست منه، ويسكن المسيحيون العالم وهم ليسوا من العالم (يو ١٧: ١١، ١٤، ١٦).
النفس غير المنظورة حافظة للجسد المنظور، والمسيحيون معروفون حقًا إنهم في العالم وصلاحهم غير منظور.
يبغض الجسد النفس ويحاربها مع أنها لا تؤذيه بل لأنها تمنعه من التمتع بالملذات، هكذا يبغض العالم المسيحيين مع أنهم لا يضرونه، إنما لأنهم يمنعونه عن الملذات.
تحب النفس الجسد الذي يبغضها ويحب المسيحيون أيضًا الذين يبغضونهم.
النفس مسجونة في الجسد ومع هذا تحفظ الجسد ذاته، والمسيحيون موجودون في العالم كما في سجن ومع ذلك فهم غير الفاسدين فيه.
تسكن النفس الخالدة خيمة الجسد القابلة للموت، ويقطن المسيحيون كغرباء في مسكنٍ زائلٍ متطلعين إلى المسكن غير الفاسد في السماوات.
عندما تزهد النفس الطعام والشراب تصير في حال أفضل، والمسيحيون مع أنهم يومًا فيومًا يخضعون للعقاب (الاضطهاد الوثني) لكنهم يزدادون عددًا. لقد عين الله لهم هذا المركز المرموق الذي يلزمهم ألا ينسوه.
الرسالة إلى ديوغنيتس
"أن تكون سيرتكم بين الأمم حسنة، لكي يكونوا فيما يفترون عليكم كفاعلي شر، يمجدون الله في يوم الافتقاد من أجل أعمالكم الحسنة التي يلاحظونها" [12].
ما أكثر الافتراءات التي وجهها الرومان ضد المسيحيين: يقول العلامة ترتليان: [لقد فاض نهر تيبار وأضر أسوار روما فنسبوا ذلك إلى المسيحيين. وكانوا إذا لم يفض نهر النيل كحده المعتاد نسبوه إليهم. وإذا حدث زلزال في المملكة أو جوع أو وباء نسبوه إليهم صارخين "القوهم إلى الأسود".]
ومع هذا ففي يوم الافتقاد أي يوم مجيء الرب للدينونة، أو يوم يكشف الله عن عيونهم لمعرفة الحق، تنكشف سيرة المؤمنين الحسنة فيمجدوا أباهم السماوي (مت ٥: ١٦).
لهذا كتب الشهيد كبريانوس إلى الكاهن Rogatianus ومعترفين آخرين ملقين في السجون يقول لهم: [إنني أُسَر أن أقول لكم إن هذا هو العمل الأعظم المُلْقَى عليكم، وهو أن تكونوا في حال أفضل مهتمين بذلك حتى أنه خلال اعترافكم ذاته يلاحظون مجد (هذا الاعتراف) خلال حياتكم الفاضلة الهادئة.]
ويرى الأسقف الشهيد كبريانوس أن السيرة الحسنة تزين المعترفين والشهداء.
٣. سلوكنا في المجتمع كأولاد لله
أولاً: الخضوع لنظم الدولة
"اخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب. إن كان للملك فكمن هو فوق الكل" [13].
أثار اليهود الفتنة عند الحكام تتلخص في خضوع المسيحيّين للملك يسوع، فلا يخضعون للإمبراطور أو الولاة، عاصين لكل أمر وقانون. وحتى لا يختلط الأمر على المؤمن بين الخضوع للمملكة السماوية والطاعة للرؤساء نجد السيد نفسه يعلن ضرورة الخضوع للنًظم القائمة (مت ٢٢: ٢١). وهكذا سلك الرسول بولس على نفس المنوال (رو ١٣: ١-٧)، وطلب من تلميذه تيطس أن يُذَكِّر الشعب بالخضوع للرئاسات والسلاطين ويكونوا مستعدين لكل عمل صالح (٣: ١).
فالمسيحية جوهرها الحب والخضوع (التواضع) والطاعة، وليس الكبرياء والعصيان لهذا بينما ينصح القديس أغسطينوس شعبه ألا يخافوا من تهديد الولاة لإلزامهم عبادة الأوثان، يقول:
[هل نرفع أنفسنا في كبرياء أم أطلب إليكم أن تزدروا بالسلاطين المرئية؟ لا يكون!... فإن الرسول نفسه يقول "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة. لأنه ليس سطان إلاَّ من الله. السلاطين الكائنة هي مرتبة من الله. حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله" (رو ١٣: ١-٢)].
ويقول العلامة ترتليان: [لذلك فإنه بخصوص الكرامات الواجبة للملوك والأباطرة، لدينا نص كافٍ أنه يليق بنا أن نكون في تمام الطاعة وذلك كوصية الرسول "أن يخضعوا للرياسات والسلاطين" (تي ٣ : ١) ولكن حدود الطاعة في هذا أن نحفظ أنفسنا منعزلين عن عبادة الأوثان. ولنا في هذا أيضًا مثال الثلاثة فتية، الذين مع طاعتهم للملك نبوخذنصر ازدروا بتقديم التكريم لتمثاله فلم يقبلوا العبادة له... وهكذا أيضًا دانيال، كان خاضعًا لداريوس في كل الأمور، ثابتًا في واجبه مادام بعيدًا عن أساس إيمانه (دا ٦).]
"وأما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكي، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب" [9] .
إذ تأسسنا على حجر الزاوية وارتبطنا به فإننا بهذا نكون:
"جنس مختار": هذه العبارة ينطق بها رسول الختان ليصحح مفاهيمهم، إذ يحسبون أنفسهم أنهم دون سائر البشر "جنس مختار"، وأن الاختيار من قِبَل الله واقع بسبب جنسيتهم كيهود. لكن مجيء الرب متجسدًا وفي نسبه أسلاف أمميات، ودعوة الرب ورُسله للأمم كشفت حب الله للبشرية كلها، وأن الاختيار هنا لا يدفع إلى الكبرياء والتعصب بل إلى حمل المسئولية.
"كهنوت ملوكي": وقد اقتبس هذا النص من سفر الخروج (١٩: ١)، ومع هذا فنحن نعلم أنه في العهد القديم لم يكن الكل كهنة وملوكًا بل كانوا مختارين، هكذا فإن القول "كهنوت ملوكي" تعني أنه قد صار بيننا كهنة مفرزون لخدمة ملك الملوك.
"أمة مقدسة شعب اقتناء"، عملها الكرازة والشهادة للذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب، بحديث عملي، بسلوكنا كأولاد للنور.
فما نخبر به هو "فضائل الذي دعانا"... أي نعكس جمال المسيح الساطع علينا. فيرى الناس نوره الإلهي في داخل قلوبنا، ويدركونه خلال تصرفاتنا وسلوكنا في الحياة. عندئذ يتحقق قول المرتل "من صهيون (الكنيسة) كمال جمال الله أشرق" (مز ٥٠: ٢).
في هذا كله ليس لنا فضل بل للذي رحمنا، إذ يكمل الرسول قائلاً:
"والذين قبلاً لم تكونوا شعبًا، وأما الآن فأنتم شعب الله، الذين كنتم غير مرحومين وأما الآن فمرحومون" [10].
لقد كنا في ظلمة فدعانا إلى نوره العجيب... ماذا نطلب بعد؟ لقد اختارنا شعبًا لله كما تنبأ هوشع بذلك (١: ٦، ٩، ٢: ٢٣)!
ثالثًا: الارتباط بالسلوك العملي
إذ أنهى حديثه عن "تأسيسنا على الرب يسوع" بأن نخبر بفضائله، بدأ يوضح لنا أهمية السيرة الحسنة قائلاً:
"أيها الأحباء أطلب إليكم كغرباء ونزلاء أن تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس" [11].
يدعوهم "أيها الأحباء" لكي يستميلهم إلى الإنصات والتنفيذ. وقد كان هذا النداء محببًا إلى نفوس التلاميذ والرسل إذ تشربوه من ربنا يسوع المحب، وسمعوا صوت الآب تجاه الابن يقول: "ابني الحبيب" عند العماد والتجلي، لهذا شغفوا به.
يدعوهم أيضًا "غرباء ونزلاء"، أي غرباء وضيوف، فقد سبق أن أوصاهم أن يتركوا شهوات الجسد بكونهم أبناء لله يعافون هذه الأمور، وهنا يقدم باعثًا ثانيًا هو إحساسهم بغربتهم وعدم ارتباطهم بالأرض. وقد أخذ الآباء الرهبان هذا الباعث كتدريب لكل طالب الرهبنة، إذ كانوا يدربونه على زيارة المدافن يوميًا لساعات طويلة حتى يعرف حقيقة هذه الحياة.
عندما سقط ثيؤدور المتنسك صديق القديس يوحنا الذهبي الفم في حب السيدة Hermoine الشابة الجميلة الصورة كتب إليه ذهبي الفم يطالبه بالعودة إلى حياته النسكية الأولى مسجلاً له الكثير عن مراحم الله ومحبته، مقدمًا له من بين التداريب الهامة للانتصار على حرب الشهوة أن يزور المدافن ويتأمل التراب والرماد والدود، متذكرًا نهاية الأشرار وسعادة الأبرار.
ونلاحظ أن الرسول لم يقل "أن تمتنعوا عن الخطايا" بل طلب الامتناع عن الجذر العميق لها، أي "الشهوات الجسدية"، لأنه كما يقول الأب دوروثيؤس: [الخطايا هي تنفيذ هذه الشهوات عمليًا، بمعنى أن الإنسان ينفذ بجسده الأعمال التي تثيرها فيه شهواته.]
هذه الشهوات يلزمنا أن نقلع عنها حتى وإن لم تخرج إلى حيز التنفيذ لأنها "تحارب النفس". هذه الحرب الداخلية بين شهوات الجسد وشهوات الروح قائمة على الدوام مادمنا في الجسد، لكن ليس لها سلطان علينا أو حق السيادة والملكية على إرادتنا مادمنا لا نذعن لها. إذن لنمتنع عن شهوات الجسد بعدم قبولنا لها أو إرضائها، بهذا تكون حربها بلا قوة التنفيذ أو السيطرة، إنما تصبح أعضاؤنا آلات برّ لله شاهدة له أمام الأمم، إذ يرون الثمار المنظورة كانعكاس لنقاء داخلي وغلبة لشهوات الروح، وطاعة الجسد للروح وخضوعه لها.
وقد شبه الأب Mathetes من رجال القرن الثاني علاقة النفس بالجسد المحارب لها كعلاقة المسيحيين الحقيقيين بالعالم الوثني الشرير الذي كان مضطهدًا للكنيسة.
- النفس منتشرة خلال كل أعضاء الجسد، والمسيحيون منتشرون خلال كل مدن العالم.
تسكن النفس في الجسد لكنها ليست منه، ويسكن المسيحيون العالم وهم ليسوا من العالم (يو ١٧: ١١، ١٤، ١٦).
النفس غير المنظورة حافظة للجسد المنظور، والمسيحيون معروفون حقًا إنهم في العالم وصلاحهم غير منظور.
يبغض الجسد النفس ويحاربها مع أنها لا تؤذيه بل لأنها تمنعه من التمتع بالملذات، هكذا يبغض العالم المسيحيين مع أنهم لا يضرونه، إنما لأنهم يمنعونه عن الملذات.
تحب النفس الجسد الذي يبغضها ويحب المسيحيون أيضًا الذين يبغضونهم.
النفس مسجونة في الجسد ومع هذا تحفظ الجسد ذاته، والمسيحيون موجودون في العالم كما في سجن ومع ذلك فهم غير الفاسدين فيه.
تسكن النفس الخالدة خيمة الجسد القابلة للموت، ويقطن المسيحيون كغرباء في مسكنٍ زائلٍ متطلعين إلى المسكن غير الفاسد في السماوات.
عندما تزهد النفس الطعام والشراب تصير في حال أفضل، والمسيحيون مع أنهم يومًا فيومًا يخضعون للعقاب (الاضطهاد الوثني) لكنهم يزدادون عددًا. لقد عين الله لهم هذا المركز المرموق الذي يلزمهم ألا ينسوه.
الرسالة إلى ديوغنيتس
"أن تكون سيرتكم بين الأمم حسنة، لكي يكونوا فيما يفترون عليكم كفاعلي شر، يمجدون الله في يوم الافتقاد من أجل أعمالكم الحسنة التي يلاحظونها" [12].
ما أكثر الافتراءات التي وجهها الرومان ضد المسيحيين: يقول العلامة ترتليان: [لقد فاض نهر تيبار وأضر أسوار روما فنسبوا ذلك إلى المسيحيين. وكانوا إذا لم يفض نهر النيل كحده المعتاد نسبوه إليهم. وإذا حدث زلزال في المملكة أو جوع أو وباء نسبوه إليهم صارخين "القوهم إلى الأسود".]
ومع هذا ففي يوم الافتقاد أي يوم مجيء الرب للدينونة، أو يوم يكشف الله عن عيونهم لمعرفة الحق، تنكشف سيرة المؤمنين الحسنة فيمجدوا أباهم السماوي (مت ٥: ١٦).
لهذا كتب الشهيد كبريانوس إلى الكاهن Rogatianus ومعترفين آخرين ملقين في السجون يقول لهم: [إنني أُسَر أن أقول لكم إن هذا هو العمل الأعظم المُلْقَى عليكم، وهو أن تكونوا في حال أفضل مهتمين بذلك حتى أنه خلال اعترافكم ذاته يلاحظون مجد (هذا الاعتراف) خلال حياتكم الفاضلة الهادئة.]
ويرى الأسقف الشهيد كبريانوس أن السيرة الحسنة تزين المعترفين والشهداء.
٣. سلوكنا في المجتمع كأولاد لله
أولاً: الخضوع لنظم الدولة
"اخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب. إن كان للملك فكمن هو فوق الكل" [13].
أثار اليهود الفتنة عند الحكام تتلخص في خضوع المسيحيّين للملك يسوع، فلا يخضعون للإمبراطور أو الولاة، عاصين لكل أمر وقانون. وحتى لا يختلط الأمر على المؤمن بين الخضوع للمملكة السماوية والطاعة للرؤساء نجد السيد نفسه يعلن ضرورة الخضوع للنًظم القائمة (مت ٢٢: ٢١). وهكذا سلك الرسول بولس على نفس المنوال (رو ١٣: ١-٧)، وطلب من تلميذه تيطس أن يُذَكِّر الشعب بالخضوع للرئاسات والسلاطين ويكونوا مستعدين لكل عمل صالح (٣: ١).
فالمسيحية جوهرها الحب والخضوع (التواضع) والطاعة، وليس الكبرياء والعصيان لهذا بينما ينصح القديس أغسطينوس شعبه ألا يخافوا من تهديد الولاة لإلزامهم عبادة الأوثان، يقول:
[هل نرفع أنفسنا في كبرياء أم أطلب إليكم أن تزدروا بالسلاطين المرئية؟ لا يكون!... فإن الرسول نفسه يقول "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة. لأنه ليس سطان إلاَّ من الله. السلاطين الكائنة هي مرتبة من الله. حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله" (رو ١٣: ١-٢)].
ويقول العلامة ترتليان: [لذلك فإنه بخصوص الكرامات الواجبة للملوك والأباطرة، لدينا نص كافٍ أنه يليق بنا أن نكون في تمام الطاعة وذلك كوصية الرسول "أن يخضعوا للرياسات والسلاطين" (تي ٣ : ١) ولكن حدود الطاعة في هذا أن نحفظ أنفسنا منعزلين عن عبادة الأوثان. ولنا في هذا أيضًا مثال الثلاثة فتية، الذين مع طاعتهم للملك نبوخذنصر ازدروا بتقديم التكريم لتمثاله فلم يقبلوا العبادة له... وهكذا أيضًا دانيال، كان خاضعًا لداريوس في كل الأمور، ثابتًا في واجبه مادام بعيدًا عن أساس إيمانه (دا ٦).]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.