تفسير رسالة بطرس الرسول الثانية اصحاح 2 جـ1
1. ظهور المبتدعين وخطورتهم 1-2.
2. دينونتهم أكيدة 3-9.
3. صفاتهم 10-22.
1. ظهور المبتدعين وخطورتهم
"ولكن كان أيضًا في الشعب أنبياء كذبة، كما سيكون فيكم أيضًا معلمون كذبة، الذين يدسّون بدع هلاك، وإذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم، يجلبون هلاكًا سريعًا، وسيتبع كثيرون تهلكاتهم، الذين بسببهم يُجدف على طريق الحق" [1-2].
لا يكف إبليس عن أن يخدع بكل طريقة، مشوّهًا الحق، بإظهار ما هو على مثله، فكما يعمل الروح القدس في الأنبياء الحقيقيين شاهدين للرب، هكذا ظهر أيضًا أنبياء كذبة يعمل فيهم إبليس (إر 14: 14؛ 23: 25؛ تث 13: 1-5)، وكما يوجد رعاة حقيقيون، هكذا يوجد معلمون كذبة أيضًا. قد حذرنا ربنا يسوع منهم (مت 7: 15؛ 24:24)، كما حذر الرسول أساقفة أفسس قائلاً: "ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمورٍ ملتويةٍ ليجتذبوا التلاميذ وراءهم" (أع 20: 30).
يقول العلامة ترتليان: [يلزمنا ألا ندهش من وجود الهرطقات، لأنه قد سبق الرب فأنبأنا بقيامها، إذ تفسد إيمان البعض، لكنها تقدم تجربة إيمان فتهب فرصة للتذكية (1 كو 11: 19).]
فالهرطقات لها مضارها كما لها منافعها. أما مضارها فكما يقول الرسول:
1. ينكرون الرب الذي اشتراهم، مستهينين بالدم الثمين المدفوع لأجل إيماننا المستقيم.
2. لا يهلكون وحدهم، بل يحدرون معهم آخرين للهلاك، والهدم أسرع من البناء.
3. يسيئون إلى الله، إذ "بسببهم يجدف على طريق الحق". فبالرغم من ادعاءاتهم أنهم متمسكون بالإنجيل إلا أن انحراف إيمانهم وسيرتهم يسببان تجديفًا على اسم الرب.
أما منافع الهرطقات فكما يقول القديس أغسطينوس:
[أما عن الهراطقة فهم لا يفعلون أكثر من أن يجذبوننا نحو معرفة الأسرار، ذلك إن كنا نحيا في تقوى، ونؤمن بالمسيح. ولا نشتهي الطيران من العش قبل الأوان.
انظروا أيها الإخوة فائدة الهراطقة، فإن الله بحسب تدبيره يستخدم حتى الأشرار للخير... فإذ يبتدع الهراطقة تضطرب النفوس الصغيرة، وإذ تضطرب تبحث في الكتاب المقدس... وبحثهم هذا بمثابة قرع رؤوس الرضع على صدر أمّهاتهم لكي ينالوا اللبن الكافي.]
2. دينونتهم أكيدة
"وهم في الطمع يتجرون بكم بأقوال مصنّعة، الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى، وهلاكهم لا ينعس" [3]
إذ يتاجرون بالنفوس مستهينين بها وبالدم الكريم المسفوك لأجلها، مستخدمين في ذلك أقوالاً مصنّعة، أي أحاديث لينة خادعة، إذ "بالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء" (رو 16: 18). لهذا فإن دينونتهم منذ القديم قائمة تنتظرهم، وهلاكهم لا يغفل عنهم مهما شعروا بطمأنينة كاذبة.
ودليل إدانتهم:
أولاً: إدانة الملائكة الساقطين
"لأنه إن كان الله لم يشفق على ملائكة أخطأوا، بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم، وسلّمهم محروسين للقضاء" [4].
ونلاحظ أن قولهم "طرحهم" في صيغة الماضي تعني تأكيد ما سيكون في المستقبل.
استخدم القديس أغسطينوس هذا النص في إثبات أن الملائكة الأشرار لم يخلقوا هكذا، بل بسقوطهم في الخطأ صاروا أشرارًا.
ثانيًا: هلاك العالم القديم
"ولم يشفق على العالم القديم، بل إنما حفظ نوحًا ثامنًا كارزًا للبرّ، إذ جلب طوفانًا على عالم الفجّار" [5].
هذه الجملة متصلة بالجملة الشرطية السابقة، أي إن كان الله لم يشفق على العالم القديم في أيام نوح الذي كرز للبرّ ولم يسمعوا له، فجلب عليهم طوفانًا بسبب فجورهم، فهل لا يدين الله المبتدعين؟
وقد "حفظ نوحًا ثامنًا"، أي بالرغم من أنه الشخص الثامن من الفُلك. لعله دخل بعد أولاده ونسائهم وزوجته ليطمئن عليهم، فإن قلة عددهم لم تمنع اهتمام الله بهم وحفظهم. كما أن كثرة الأشرار لا يمنع إدانتهم.
ثالثًا: حرق سدوم وعمورة
"وإذ رمَّد مدينتيّ سدوم وعمورة حكم عليهما بالانقلاب، واضعًا عبرة للمعتدّين أن يفجروا "[6].
لقد صار إحالة مدينتي سدوم وعمورة إلى رماد عبرة للتاريخ البشري كله، لأنه إذ ارتفع شرّهم وامتلأ كأس آثامهم أهلكهما الله، هكذا كل من يتمادى في الشر دون أن يتوب!
لقد "حكم عليهما بالانقلاب" كمن يُحكم عليه بالإعدام، لأن أجرة الخطية الموت. وحتى في هلاكهما الذي هو ثمرة فجورهما يخرج الله من الآكل أكلاً، محوّلاً شرهما لخير الآخرين، إذ يعتبرون بهما فيتوبون. هذا وقد كشف الله مدى اهتمامه بأولاده. ففي حرق المدينتين لم ينسَ الله لوطًا وابنتيه بالرغم من قلة عددهم بالنسبة للأشرار.
"وأنقذ لوطًا البار مغلوبًا من سيرة الأردياء في الدعارة، إذ كان البار بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم، يعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بأفعالهم الأثيمة" [7-8].
لقد ألقى لوط نفسه بنفسه وسط الأردياء، إذ اختار الأرض الخصبة تاركًا لعمه "إبراهيم" الأرض الجرداء، لهذا استحق أن يخرج فارغ اليدين. لكن لوط لم يندمج مع الأشرار في دعارتهم، غير أن نفسه كانت تتعذب يومًا فيومًا مما يراه ويسمعه من أفعالهم الأثيمة!
لقد أنقذ الرب لوطًا (تك19: 16) لعدم تدنسه بالفساد الذي حوله، إذ كانت نفسه مرة "مغلوبًا من سيرة الأردياء في الدعارة"، لأنها سيرة ثقيلة على نفس المؤمن.
"يعلم الرب أن ينقذ الأتقياء من التجربة، ويحفظ الآثمة إلى يوم الدين معاقبين" [9].
هذه هي النتيجة التي يريد أن يعلنها الوحي:
1. في وسط التجربة يميز الله بين الأتقياء والمحفوظين للعقاب.
2. الله في تركه الأتقياء بين الأشرار لا يعني أنه قد نسيهم، بل يعرف كيف ينقذهم، وذلك كمثل الزارع الذي يترك الزوان ينمو مع الحنطة إلى يوم الحصاد فيفرزهما.
3. لا يتعجل الله على عقاب الفجار، بل "يحفظ الآثمة إلى يوم الدين معاقبين".
ظهور المعلمين الكذبة
1. ظهور المبتدعين وخطورتهم 1-2.
2. دينونتهم أكيدة 3-9.
3. صفاتهم 10-22.
1. ظهور المبتدعين وخطورتهم
"ولكن كان أيضًا في الشعب أنبياء كذبة، كما سيكون فيكم أيضًا معلمون كذبة، الذين يدسّون بدع هلاك، وإذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم، يجلبون هلاكًا سريعًا، وسيتبع كثيرون تهلكاتهم، الذين بسببهم يُجدف على طريق الحق" [1-2].
لا يكف إبليس عن أن يخدع بكل طريقة، مشوّهًا الحق، بإظهار ما هو على مثله، فكما يعمل الروح القدس في الأنبياء الحقيقيين شاهدين للرب، هكذا ظهر أيضًا أنبياء كذبة يعمل فيهم إبليس (إر 14: 14؛ 23: 25؛ تث 13: 1-5)، وكما يوجد رعاة حقيقيون، هكذا يوجد معلمون كذبة أيضًا. قد حذرنا ربنا يسوع منهم (مت 7: 15؛ 24:24)، كما حذر الرسول أساقفة أفسس قائلاً: "ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمورٍ ملتويةٍ ليجتذبوا التلاميذ وراءهم" (أع 20: 30).
يقول العلامة ترتليان: [يلزمنا ألا ندهش من وجود الهرطقات، لأنه قد سبق الرب فأنبأنا بقيامها، إذ تفسد إيمان البعض، لكنها تقدم تجربة إيمان فتهب فرصة للتذكية (1 كو 11: 19).]
فالهرطقات لها مضارها كما لها منافعها. أما مضارها فكما يقول الرسول:
1. ينكرون الرب الذي اشتراهم، مستهينين بالدم الثمين المدفوع لأجل إيماننا المستقيم.
2. لا يهلكون وحدهم، بل يحدرون معهم آخرين للهلاك، والهدم أسرع من البناء.
3. يسيئون إلى الله، إذ "بسببهم يجدف على طريق الحق". فبالرغم من ادعاءاتهم أنهم متمسكون بالإنجيل إلا أن انحراف إيمانهم وسيرتهم يسببان تجديفًا على اسم الرب.
أما منافع الهرطقات فكما يقول القديس أغسطينوس:
[أما عن الهراطقة فهم لا يفعلون أكثر من أن يجذبوننا نحو معرفة الأسرار، ذلك إن كنا نحيا في تقوى، ونؤمن بالمسيح. ولا نشتهي الطيران من العش قبل الأوان.
انظروا أيها الإخوة فائدة الهراطقة، فإن الله بحسب تدبيره يستخدم حتى الأشرار للخير... فإذ يبتدع الهراطقة تضطرب النفوس الصغيرة، وإذ تضطرب تبحث في الكتاب المقدس... وبحثهم هذا بمثابة قرع رؤوس الرضع على صدر أمّهاتهم لكي ينالوا اللبن الكافي.]
2. دينونتهم أكيدة
"وهم في الطمع يتجرون بكم بأقوال مصنّعة، الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى، وهلاكهم لا ينعس" [3]
إذ يتاجرون بالنفوس مستهينين بها وبالدم الكريم المسفوك لأجلها، مستخدمين في ذلك أقوالاً مصنّعة، أي أحاديث لينة خادعة، إذ "بالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء" (رو 16: 18). لهذا فإن دينونتهم منذ القديم قائمة تنتظرهم، وهلاكهم لا يغفل عنهم مهما شعروا بطمأنينة كاذبة.
ودليل إدانتهم:
أولاً: إدانة الملائكة الساقطين
"لأنه إن كان الله لم يشفق على ملائكة أخطأوا، بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم، وسلّمهم محروسين للقضاء" [4].
ونلاحظ أن قولهم "طرحهم" في صيغة الماضي تعني تأكيد ما سيكون في المستقبل.
استخدم القديس أغسطينوس هذا النص في إثبات أن الملائكة الأشرار لم يخلقوا هكذا، بل بسقوطهم في الخطأ صاروا أشرارًا.
ثانيًا: هلاك العالم القديم
"ولم يشفق على العالم القديم، بل إنما حفظ نوحًا ثامنًا كارزًا للبرّ، إذ جلب طوفانًا على عالم الفجّار" [5].
هذه الجملة متصلة بالجملة الشرطية السابقة، أي إن كان الله لم يشفق على العالم القديم في أيام نوح الذي كرز للبرّ ولم يسمعوا له، فجلب عليهم طوفانًا بسبب فجورهم، فهل لا يدين الله المبتدعين؟
وقد "حفظ نوحًا ثامنًا"، أي بالرغم من أنه الشخص الثامن من الفُلك. لعله دخل بعد أولاده ونسائهم وزوجته ليطمئن عليهم، فإن قلة عددهم لم تمنع اهتمام الله بهم وحفظهم. كما أن كثرة الأشرار لا يمنع إدانتهم.
ثالثًا: حرق سدوم وعمورة
"وإذ رمَّد مدينتيّ سدوم وعمورة حكم عليهما بالانقلاب، واضعًا عبرة للمعتدّين أن يفجروا "[6].
لقد صار إحالة مدينتي سدوم وعمورة إلى رماد عبرة للتاريخ البشري كله، لأنه إذ ارتفع شرّهم وامتلأ كأس آثامهم أهلكهما الله، هكذا كل من يتمادى في الشر دون أن يتوب!
لقد "حكم عليهما بالانقلاب" كمن يُحكم عليه بالإعدام، لأن أجرة الخطية الموت. وحتى في هلاكهما الذي هو ثمرة فجورهما يخرج الله من الآكل أكلاً، محوّلاً شرهما لخير الآخرين، إذ يعتبرون بهما فيتوبون. هذا وقد كشف الله مدى اهتمامه بأولاده. ففي حرق المدينتين لم ينسَ الله لوطًا وابنتيه بالرغم من قلة عددهم بالنسبة للأشرار.
"وأنقذ لوطًا البار مغلوبًا من سيرة الأردياء في الدعارة، إذ كان البار بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم، يعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بأفعالهم الأثيمة" [7-8].
لقد ألقى لوط نفسه بنفسه وسط الأردياء، إذ اختار الأرض الخصبة تاركًا لعمه "إبراهيم" الأرض الجرداء، لهذا استحق أن يخرج فارغ اليدين. لكن لوط لم يندمج مع الأشرار في دعارتهم، غير أن نفسه كانت تتعذب يومًا فيومًا مما يراه ويسمعه من أفعالهم الأثيمة!
لقد أنقذ الرب لوطًا (تك19: 16) لعدم تدنسه بالفساد الذي حوله، إذ كانت نفسه مرة "مغلوبًا من سيرة الأردياء في الدعارة"، لأنها سيرة ثقيلة على نفس المؤمن.
"يعلم الرب أن ينقذ الأتقياء من التجربة، ويحفظ الآثمة إلى يوم الدين معاقبين" [9].
هذه هي النتيجة التي يريد أن يعلنها الوحي:
1. في وسط التجربة يميز الله بين الأتقياء والمحفوظين للعقاب.
2. الله في تركه الأتقياء بين الأشرار لا يعني أنه قد نسيهم، بل يعرف كيف ينقذهم، وذلك كمثل الزارع الذي يترك الزوان ينمو مع الحنطة إلى يوم الحصاد فيفرزهما.
3. لا يتعجل الله على عقاب الفجار، بل "يحفظ الآثمة إلى يوم الدين معاقبين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.