تفسير رسالة بطرس الرسول الأولى اصحاح 4 جـ2
د. خدمة الآخرين
"ليكن كل واحدٍبحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضًا، كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة. إن كان يتكلم أحد فكأقوال الله، وإن كان يخدم أحد، فكأنه من قوة يمنحها الله، ليتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح، الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين. آمين" [10-11.]
كلما ارتفعت أنظار المؤمن تجاه الأبديّة يُضرِم الموهبة التي نالها من الرب بلا كسل وهنا نلاحظ:
أ. يقول الرسول "ليكن كل واحدٍ، فلا يوجد في الكنيسة كلها إنسان قط بلا موهبة، سواء كان طفلاً أو شيخًا، رجلاً أو امرأة، كاهنًا أو علمانيًا، بتولاً أو أرملاً أو متزوجًا. لأننا جميعًا أعضاء في جسد المسيح، ولا يمكن أن يكون في هذا الجسد عضو بلا عمل.
ب. "بحسب ما أخذ"، أي ليس لعضوٍ فضل فيما له من مواهب. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن الله يوزع علينا المواهب بالقدر الذي يرى فيه خلاصنا. فيعطي لإنسان موهبة أقل ليس عن عدم محبة من الله تجاهه، بل لأنه يعلم أنه لا يقدر أن يُضرِم أكثر من ذلك، فلو قدم له ما هو أكثر لصار هذا الإنسان مهملاً. ويعطي الرب لآخر موهبة أكثر ليس لأنه أفضل من أخيه، لكن لأن الله يعلم أنه بهذا القدر يقدر هذا الأخ أن يثابر ويعمل وبدونها يفشل في عمله. هكذا يُنَسِّق صانع الخيرات ضابط الكل حسبما يرى فيه خيرنا وخلاصنا.
ج. "يخدم بها بعضكم بعضًا كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة". أي أعطيت هذه المواهب من يديّ الله لا للمباهاة بها، بل لخدمة الكنيسة والبشريّة كلها.
وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [في الكنيسة أعضاء كثيرون مختلفون، بعضهم ذوي كرامة الآخرون أقل كرامة. مثال ذلك توجد جوقة من المتبتلين، ومجموعات من الأرامل، وإخوة مرتبطون بزواج مقدس... ومع ذلك فالكل يكمل بعضهم بعضًا... قد تكون موهبة إنسان أقل لكنها ضرورية، فإذا تعطل العضو (عن عمله) تعطلت أعمال كثيرة.]
د. "إن كان يتكلم أحد فكأقوال الله"، أي أن من وُهِبَ عطية الوعظ فليختفِ في كلمة الله لكي يظهر الله وتختفي كل فلسفة بشريّة.
ه. "وإن كان يخدم أحد، فكأنه من قوة يمنحها الله ليتمجد الله في كل شيء، بيسوع الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين. آمين".
وكما يختفي الواعظ والمتكلم في كلمة الله ليُظْهِرها كما هي بلا تنميق ولا تمويه ولا تزيين، هكذا من وُهب عطية الخدمة في أي نوع من أنواع الخدمات، فليعلم أنه يعجز عن الخدمة ما لم يُعطه الرب القوة للتنفيذ. بهذا يتمجد الآب في كل شيء بيسوع المسيح صاحب المجد والسلطان.
وكلمة "آمين" هنا لا تعني ختام الحديث وإنما تعني "ليكن هذا!"
٣. الآلام والأمجاد
"أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة، لأجل امتحانكم، كأنه أصابكم أمر غريب. بل كما اشتركتم في آلام المسيح، افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده مبتهجين" [12-13].
هذا القول يكشف عن شدة الاضطهاد الذي اجتازته الكنيسة في آسيا إذ يسميه "البلوى المحرقة". وهذا الأمر ليس بغريب إذ يقول الرسول "لا تستغربوا"، فإن هذا الأمر هام وحيوي في حياة المؤمن لأن التجارب والآلام وإن كانت "محرقة" لكنها نافعة وذلك لسببين:
1. "لأجل امتحانكم"، فالطالب بالرغم مما يعانيه من آلام في ليالي الامتحانات، لكنه يتمم ذلك بفرح وبهجة قلب منتظرًا النجاح.
والذهب والفضة يُمْحَصا ويُمْتَحنا في البوتقة فيحترق الزغل ويزداد بريقًا لهذا يقول: "جربتنا يا الله، محصتنا كمحص الفضة".
لهذا يحث الشهيد كبريانوس شعب Thibares على الاستشهاد فيقول:
[الآن يعلمنا الرسل هذه الأمور التي تعلمتموها من وصايا الرب والأوامر السماويّة، فإن الرب نفسه يشجعنا قائلاً: "الحق أقول لكم ان ليس أحد ترك بيتًا أو والدين أو إخوة أو امرأة أو أولادًا من أجل ملكوت الله إلاَّ ويأخذ في هذا الزمان أضعافًا كثيرة وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية" (لو ١٨: ٢٩-٣٠). ويقول "طوباكم إذا أبغضكم الناس وإذا أفرزوكم وعيروكم وأخرجوا اسمكم كشريرٍ من أجل ابن الإنسان. افرحوا في ذلك وتهللوا، فهوذا أجركم عظيم في السماء" (لو ٦: ٢٢-٢٣).
لقد أراد الرب أن نفرح ونمتلئ بهجة في الضيقات، لأنه حيث توجد اضطهادات تُعطى أكاليل الإيمان ويتزكى جنود المسيح وتنفتح السماوات للشهداء.]
يجتاز المؤمن هذه الضيقات سواء كان في عصر الاضطهاد أو في وقت سلم لأن الحرب قائمة من إبليس ضد أولاد الله. فليس من الضروري أن تكون الحرب خارجة من إنسان. لكن يكفي المحاربة ضد الخطية. وكما يقول الشهيد كبريانوس في رسالته الحادية عشر: [كما في أثناء الاضطهاد ينال الإنسان إكليل الشهادة، كذلك في وقت السلام يتوج بتاج نقاوة الضمير.]
2. "كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا... " إن سرّ فرحنا ليس فقط أننا نتزكى قدامه لننال الإكليل، بل ونشارك المسيح في آلامه. أي مجد لنا أن يكون لنا هذا النصيب!
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: ["لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا" (٢ كو ١: ٥)... إنه يسمو بنفوسنا حاسبًا هذه الآلام خاصة به، فأي فرح يشملنا أننا شركاء المسيح، ومن أجله نتألم!]
"إن عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم، لأن روح المجد والله يحل عليكم. أما من جهتهم فيجدف عليه،وأما من جهتكم فيمجد" [14].
مادامت الآلام والتعييرات ليست نابعة عن عداء شخصي أو بسبب خطأ ارتكبه المؤمن، بل "باسم المسيح" فطوباه. وسرّ هذا التطويب أن الروح القدس "روح المجد" يحل على المتألم من أجل الرب. يحل عليه لكي يحمل أتعابه ويسنده، ويحل عليه ليهبه مجدًا، فيجدف الشرير على الروح القدس ويضطهده في شخص المؤمن.
"فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو متداخل في أمور غيره. ولكن إن كان كمسيحي فلا يخجل، بل يمجد الله من هذا القبيل" [15-16].
يخجل الإنسان متى سقط تحت العقوبة بسبب جريمة قتل أو سرقة أو فعل شر أو بسبب تدخله في أمورٍ لا شأن له بها! أما إذا احتمل الآلام "كمسيحيٍ" أي بسبب نسبته للسيد المسيح، فلا يخجل بل يمجد الله لأنه غير مستحق لهذا الشرف.
وقد سبق الرب فأخبر تلاميذه قائلاً: "ليس عبد أعظم من سيده. إن كانوا اضطهدوني فسيضطهدونكم. في العالم سيكون لكم ضيق" (يو ١٥: ٢٠؛ ١٦: 3٣).
لكن ربما يتذمر أحد قائلاً: إلى متى نحتمل الألم من أجل الأمجاد؟
يجيب الرسول مؤكدًا:
1. إن القضاء قد اقترب.
2. إن الخلاص يتطلب جهادًا ومثابرة.
3. إننا في أيدي خالق أمين في عمل الخير.
1. إن القضاء قد اقترب
"لأن الوقت لابتداء القضاء من بيت الله، فإن كان أولاً منا، فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله" [17].
ربما قصد الرسول أنه إن كان هكذا قد خرج الأمر بخراب أورشليم وهيكل اليهود لأنهم رفضوه واضطهدوه كما ضايقوا تلاميذه، فإن هذا دليل على أن القضاء آتٍ لا محالة... فلا حاجة بعد للاستعجال. إذن ليحتمل المؤمن منتظرًا الأمجاد الآتية دون أدنى شك.
2. إن الخلاص يحتاج إلى جهاد
"وإن كان البار بالجهد يخلص، فالفاجر والخاطئ أين يظهران؟" [18].
وكأن الرسول يهدىء من روع المتعجلين بالقضاء بسبب ما يعانونه من الآلام المُرّة، فيقول لهم إن خلاص الإنسان البار ليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى جهد، إذ يقول الرب: "ملكوت السماوات يغتصب والغاصبون يختطفونه"، فكم يليق بنا نحن الفجار والخطاة أن نحتمل آلامًا وأتعابًا بصبر من أجل خلاصنا لنرث السماوات؟ وكأنه يذكرنا بقول الرب: "اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق" (لو ١٣: ٢٤).
لهذا نصلي في غروب كل يوم قائلين: [إذا كان الصديق بالجهد يخلص فأين أظهر أنا الخاطي؟ ثقل النهار وحره لم أحتمل لضعف بشريتي، لكن أنت يا الله الرحوم احسبني مع أصحاب الساعة الحادية عشرة...]
يقول العظيم أنطونيوس: [يجب علينا ألا نقول باستحالة السلوك في حياة الفضيلة بالنسبة للإنسان، إنما نقول عنه أنه ليس سهلاً. يستحيل عليك أن تصير صالحًا أو حكيمًا في لحظة، إنما تحتاج إلى المذاكرة والحرص والتمرن والتدرب والجهاد الطويل.]
هكذا نحن مطالبون باحتمال الآلام، ليس من الغير بل وبإرادتنا، فتموت أجسادنا وتُصلب عن شهواتها، ونقدم ذبيحة الفقر الاختياري وتعب الزهد والبذل محبة في الرب يسوع.
3. إننا في أيدي خالق أمين في عمل الخير
"فإذًا الذين يتألمون بحسب مشيئة الله، فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير" [19].
قدم لنا ربنا يسوع نفسه درسًا، إذ صرخ على الصليب بطمأنينة قلب قائلاً: "يا أبتاه في يديك أستودع روحي" (لو ٢٣: ٤٦).
لماذا تخاف الآلام وقد أكد لنا الرب أن شعرة واحدة من رؤوسنا لا تسقط إلاَّ بإذن أبينا السماوي. إنه صانع خيرات كما تسميه الكنيسة في صلواتها، نسلمه حياتنا كوديعة ليسمح لنا بالتجارب حسبما يراه لخيرنا. وذلك كما تستسلم قطعة الطين في يدي الفخاري.
لندخل في الفرن، لكن يكفينا نظرات الفخاري التي لا تفارقنا لأننا داخل فرن التجربة، يعرف درجة الحرارة المناسبة، وموضعنا المناسب داخل الفرن، والوقت اللازم لنتهيأ كإناء للكرامة.
كلما حلت الضيقات أو الأمراض بالطفل يكشف الأب والأم حبهما له، هكذا لا نخف فإنه في لحظات الألم يترفق الله والكنيسة بنا للغاية.
1 فاذ قد تالم المسيح لاجلنا بالجسد تسلحوا انتم ايضا بهذه النية فان من تالم في الجسد كف عن الخطية
2 لكي لا يعيش ايضا الزمان الباقي في الجسد لشهوات الناس بل لارادة الله
3 لان زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد عملنا ارادة الامم سالكين في الدعارة و الشهوات و ادمان الخمر و البطر و المنادمات و عبادة الاوثان المحرمة
4 الامر الذي فيه يستغربون انكم لستم تركضون معهم الى فيض هذه الخلاعة عينها مجدفين
5 الذين سوف يعطون حسابا للذي هو على استعداد ان يدين الاحياء و الاموات
6 فانه لاجل هذا بشر الموتى ايضا لكي يدانوا حسب الناس بالجسد و لكن ليحيوا حسب الله بالروح
7 و انما نهاية كل شيء قد اقتربت فتعقلوا و اصحوا للصلوات
8 و لكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لان المحبة تستر كثرة من الخطايا
9 كونوا مضيفين بعضكم بعضا بلا دمدمة
10 ليكن كل واحد بحسب ما اخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضا كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة
11 ان كان يتكلم احد فكاقوال الله و ان كان يخدم احد فكانه من قوة يمنحها الله لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح الذي له المجد و السلطان الى ابد الابدين امين
12 ايها الاحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لاجل امتحانكم كانه اصابكم امر غريب
13 بل كما اشتركتم في الام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده ايضا مبتهجين
14 ان عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لان روح المجد و الله يحل عليكم اما من جهتهم فيجدف عليه و اما من جهتكم فيمجد
15 فلا يتالم احدكم كقاتل او سارق او فاعل شر او متداخل في امور غيره
16 و لكن ان كان كمسيحي فلا يخجل بل يمجد الله من هذا القبيل
17 لانه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله فان كان اولا منا فما هي نهاية الذين لا يطيعون انجيل الله
18 و ان كان البار بالجهد يخلص فالفاجر و الخاطئ اين يظهران
19 فاذا الذين يتالمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا انفسهم كما لخالق امين في عمل الخير
د. خدمة الآخرين
"ليكن كل واحدٍبحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضًا، كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة. إن كان يتكلم أحد فكأقوال الله، وإن كان يخدم أحد، فكأنه من قوة يمنحها الله، ليتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح، الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين. آمين" [10-11.]
كلما ارتفعت أنظار المؤمن تجاه الأبديّة يُضرِم الموهبة التي نالها من الرب بلا كسل وهنا نلاحظ:
أ. يقول الرسول "ليكن كل واحدٍ، فلا يوجد في الكنيسة كلها إنسان قط بلا موهبة، سواء كان طفلاً أو شيخًا، رجلاً أو امرأة، كاهنًا أو علمانيًا، بتولاً أو أرملاً أو متزوجًا. لأننا جميعًا أعضاء في جسد المسيح، ولا يمكن أن يكون في هذا الجسد عضو بلا عمل.
ب. "بحسب ما أخذ"، أي ليس لعضوٍ فضل فيما له من مواهب. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن الله يوزع علينا المواهب بالقدر الذي يرى فيه خلاصنا. فيعطي لإنسان موهبة أقل ليس عن عدم محبة من الله تجاهه، بل لأنه يعلم أنه لا يقدر أن يُضرِم أكثر من ذلك، فلو قدم له ما هو أكثر لصار هذا الإنسان مهملاً. ويعطي الرب لآخر موهبة أكثر ليس لأنه أفضل من أخيه، لكن لأن الله يعلم أنه بهذا القدر يقدر هذا الأخ أن يثابر ويعمل وبدونها يفشل في عمله. هكذا يُنَسِّق صانع الخيرات ضابط الكل حسبما يرى فيه خيرنا وخلاصنا.
ج. "يخدم بها بعضكم بعضًا كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة". أي أعطيت هذه المواهب من يديّ الله لا للمباهاة بها، بل لخدمة الكنيسة والبشريّة كلها.
وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [في الكنيسة أعضاء كثيرون مختلفون، بعضهم ذوي كرامة الآخرون أقل كرامة. مثال ذلك توجد جوقة من المتبتلين، ومجموعات من الأرامل، وإخوة مرتبطون بزواج مقدس... ومع ذلك فالكل يكمل بعضهم بعضًا... قد تكون موهبة إنسان أقل لكنها ضرورية، فإذا تعطل العضو (عن عمله) تعطلت أعمال كثيرة.]
د. "إن كان يتكلم أحد فكأقوال الله"، أي أن من وُهِبَ عطية الوعظ فليختفِ في كلمة الله لكي يظهر الله وتختفي كل فلسفة بشريّة.
ه. "وإن كان يخدم أحد، فكأنه من قوة يمنحها الله ليتمجد الله في كل شيء، بيسوع الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين. آمين".
وكما يختفي الواعظ والمتكلم في كلمة الله ليُظْهِرها كما هي بلا تنميق ولا تمويه ولا تزيين، هكذا من وُهب عطية الخدمة في أي نوع من أنواع الخدمات، فليعلم أنه يعجز عن الخدمة ما لم يُعطه الرب القوة للتنفيذ. بهذا يتمجد الآب في كل شيء بيسوع المسيح صاحب المجد والسلطان.
وكلمة "آمين" هنا لا تعني ختام الحديث وإنما تعني "ليكن هذا!"
٣. الآلام والأمجاد
"أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة، لأجل امتحانكم، كأنه أصابكم أمر غريب. بل كما اشتركتم في آلام المسيح، افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده مبتهجين" [12-13].
هذا القول يكشف عن شدة الاضطهاد الذي اجتازته الكنيسة في آسيا إذ يسميه "البلوى المحرقة". وهذا الأمر ليس بغريب إذ يقول الرسول "لا تستغربوا"، فإن هذا الأمر هام وحيوي في حياة المؤمن لأن التجارب والآلام وإن كانت "محرقة" لكنها نافعة وذلك لسببين:
1. "لأجل امتحانكم"، فالطالب بالرغم مما يعانيه من آلام في ليالي الامتحانات، لكنه يتمم ذلك بفرح وبهجة قلب منتظرًا النجاح.
والذهب والفضة يُمْحَصا ويُمْتَحنا في البوتقة فيحترق الزغل ويزداد بريقًا لهذا يقول: "جربتنا يا الله، محصتنا كمحص الفضة".
لهذا يحث الشهيد كبريانوس شعب Thibares على الاستشهاد فيقول:
[الآن يعلمنا الرسل هذه الأمور التي تعلمتموها من وصايا الرب والأوامر السماويّة، فإن الرب نفسه يشجعنا قائلاً: "الحق أقول لكم ان ليس أحد ترك بيتًا أو والدين أو إخوة أو امرأة أو أولادًا من أجل ملكوت الله إلاَّ ويأخذ في هذا الزمان أضعافًا كثيرة وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية" (لو ١٨: ٢٩-٣٠). ويقول "طوباكم إذا أبغضكم الناس وإذا أفرزوكم وعيروكم وأخرجوا اسمكم كشريرٍ من أجل ابن الإنسان. افرحوا في ذلك وتهللوا، فهوذا أجركم عظيم في السماء" (لو ٦: ٢٢-٢٣).
لقد أراد الرب أن نفرح ونمتلئ بهجة في الضيقات، لأنه حيث توجد اضطهادات تُعطى أكاليل الإيمان ويتزكى جنود المسيح وتنفتح السماوات للشهداء.]
يجتاز المؤمن هذه الضيقات سواء كان في عصر الاضطهاد أو في وقت سلم لأن الحرب قائمة من إبليس ضد أولاد الله. فليس من الضروري أن تكون الحرب خارجة من إنسان. لكن يكفي المحاربة ضد الخطية. وكما يقول الشهيد كبريانوس في رسالته الحادية عشر: [كما في أثناء الاضطهاد ينال الإنسان إكليل الشهادة، كذلك في وقت السلام يتوج بتاج نقاوة الضمير.]
2. "كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا... " إن سرّ فرحنا ليس فقط أننا نتزكى قدامه لننال الإكليل، بل ونشارك المسيح في آلامه. أي مجد لنا أن يكون لنا هذا النصيب!
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: ["لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا" (٢ كو ١: ٥)... إنه يسمو بنفوسنا حاسبًا هذه الآلام خاصة به، فأي فرح يشملنا أننا شركاء المسيح، ومن أجله نتألم!]
"إن عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم، لأن روح المجد والله يحل عليكم. أما من جهتهم فيجدف عليه،وأما من جهتكم فيمجد" [14].
مادامت الآلام والتعييرات ليست نابعة عن عداء شخصي أو بسبب خطأ ارتكبه المؤمن، بل "باسم المسيح" فطوباه. وسرّ هذا التطويب أن الروح القدس "روح المجد" يحل على المتألم من أجل الرب. يحل عليه لكي يحمل أتعابه ويسنده، ويحل عليه ليهبه مجدًا، فيجدف الشرير على الروح القدس ويضطهده في شخص المؤمن.
"فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو متداخل في أمور غيره. ولكن إن كان كمسيحي فلا يخجل، بل يمجد الله من هذا القبيل" [15-16].
يخجل الإنسان متى سقط تحت العقوبة بسبب جريمة قتل أو سرقة أو فعل شر أو بسبب تدخله في أمورٍ لا شأن له بها! أما إذا احتمل الآلام "كمسيحيٍ" أي بسبب نسبته للسيد المسيح، فلا يخجل بل يمجد الله لأنه غير مستحق لهذا الشرف.
وقد سبق الرب فأخبر تلاميذه قائلاً: "ليس عبد أعظم من سيده. إن كانوا اضطهدوني فسيضطهدونكم. في العالم سيكون لكم ضيق" (يو ١٥: ٢٠؛ ١٦: 3٣).
لكن ربما يتذمر أحد قائلاً: إلى متى نحتمل الألم من أجل الأمجاد؟
يجيب الرسول مؤكدًا:
1. إن القضاء قد اقترب.
2. إن الخلاص يتطلب جهادًا ومثابرة.
3. إننا في أيدي خالق أمين في عمل الخير.
1. إن القضاء قد اقترب
"لأن الوقت لابتداء القضاء من بيت الله، فإن كان أولاً منا، فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله" [17].
ربما قصد الرسول أنه إن كان هكذا قد خرج الأمر بخراب أورشليم وهيكل اليهود لأنهم رفضوه واضطهدوه كما ضايقوا تلاميذه، فإن هذا دليل على أن القضاء آتٍ لا محالة... فلا حاجة بعد للاستعجال. إذن ليحتمل المؤمن منتظرًا الأمجاد الآتية دون أدنى شك.
2. إن الخلاص يحتاج إلى جهاد
"وإن كان البار بالجهد يخلص، فالفاجر والخاطئ أين يظهران؟" [18].
وكأن الرسول يهدىء من روع المتعجلين بالقضاء بسبب ما يعانونه من الآلام المُرّة، فيقول لهم إن خلاص الإنسان البار ليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى جهد، إذ يقول الرب: "ملكوت السماوات يغتصب والغاصبون يختطفونه"، فكم يليق بنا نحن الفجار والخطاة أن نحتمل آلامًا وأتعابًا بصبر من أجل خلاصنا لنرث السماوات؟ وكأنه يذكرنا بقول الرب: "اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق" (لو ١٣: ٢٤).
لهذا نصلي في غروب كل يوم قائلين: [إذا كان الصديق بالجهد يخلص فأين أظهر أنا الخاطي؟ ثقل النهار وحره لم أحتمل لضعف بشريتي، لكن أنت يا الله الرحوم احسبني مع أصحاب الساعة الحادية عشرة...]
يقول العظيم أنطونيوس: [يجب علينا ألا نقول باستحالة السلوك في حياة الفضيلة بالنسبة للإنسان، إنما نقول عنه أنه ليس سهلاً. يستحيل عليك أن تصير صالحًا أو حكيمًا في لحظة، إنما تحتاج إلى المذاكرة والحرص والتمرن والتدرب والجهاد الطويل.]
هكذا نحن مطالبون باحتمال الآلام، ليس من الغير بل وبإرادتنا، فتموت أجسادنا وتُصلب عن شهواتها، ونقدم ذبيحة الفقر الاختياري وتعب الزهد والبذل محبة في الرب يسوع.
3. إننا في أيدي خالق أمين في عمل الخير
"فإذًا الذين يتألمون بحسب مشيئة الله، فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير" [19].
قدم لنا ربنا يسوع نفسه درسًا، إذ صرخ على الصليب بطمأنينة قلب قائلاً: "يا أبتاه في يديك أستودع روحي" (لو ٢٣: ٤٦).
لماذا تخاف الآلام وقد أكد لنا الرب أن شعرة واحدة من رؤوسنا لا تسقط إلاَّ بإذن أبينا السماوي. إنه صانع خيرات كما تسميه الكنيسة في صلواتها، نسلمه حياتنا كوديعة ليسمح لنا بالتجارب حسبما يراه لخيرنا. وذلك كما تستسلم قطعة الطين في يدي الفخاري.
لندخل في الفرن، لكن يكفينا نظرات الفخاري التي لا تفارقنا لأننا داخل فرن التجربة، يعرف درجة الحرارة المناسبة، وموضعنا المناسب داخل الفرن، والوقت اللازم لنتهيأ كإناء للكرامة.
كلما حلت الضيقات أو الأمراض بالطفل يكشف الأب والأم حبهما له، هكذا لا نخف فإنه في لحظات الألم يترفق الله والكنيسة بنا للغاية.
1 فاذ قد تالم المسيح لاجلنا بالجسد تسلحوا انتم ايضا بهذه النية فان من تالم في الجسد كف عن الخطية
2 لكي لا يعيش ايضا الزمان الباقي في الجسد لشهوات الناس بل لارادة الله
3 لان زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد عملنا ارادة الامم سالكين في الدعارة و الشهوات و ادمان الخمر و البطر و المنادمات و عبادة الاوثان المحرمة
4 الامر الذي فيه يستغربون انكم لستم تركضون معهم الى فيض هذه الخلاعة عينها مجدفين
5 الذين سوف يعطون حسابا للذي هو على استعداد ان يدين الاحياء و الاموات
6 فانه لاجل هذا بشر الموتى ايضا لكي يدانوا حسب الناس بالجسد و لكن ليحيوا حسب الله بالروح
7 و انما نهاية كل شيء قد اقتربت فتعقلوا و اصحوا للصلوات
8 و لكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لان المحبة تستر كثرة من الخطايا
9 كونوا مضيفين بعضكم بعضا بلا دمدمة
10 ليكن كل واحد بحسب ما اخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضا كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة
11 ان كان يتكلم احد فكاقوال الله و ان كان يخدم احد فكانه من قوة يمنحها الله لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح الذي له المجد و السلطان الى ابد الابدين امين
12 ايها الاحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لاجل امتحانكم كانه اصابكم امر غريب
13 بل كما اشتركتم في الام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده ايضا مبتهجين
14 ان عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لان روح المجد و الله يحل عليكم اما من جهتهم فيجدف عليه و اما من جهتكم فيمجد
15 فلا يتالم احدكم كقاتل او سارق او فاعل شر او متداخل في امور غيره
16 و لكن ان كان كمسيحي فلا يخجل بل يمجد الله من هذا القبيل
17 لانه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله فان كان اولا منا فما هي نهاية الذين لا يطيعون انجيل الله
18 و ان كان البار بالجهد يخلص فالفاجر و الخاطئ اين يظهران
19 فاذا الذين يتالمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا انفسهم كما لخالق امين في عمل الخير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.